أمراض المناعة الذاتية: الأسباب والعلاج

الكاتب - أخر تحديث 3 مايو 2023

يوفر الجهاز المناعي الحماية من الأمراض والعدوى عن طريق مهاجمة الكائنات الضارة التي تدخل الجسم كالفيروسات والجراثيم. ويمكن للجهاز المناعي معرفة أن هذه الكائنات تعتبر عناصر غريبةً عن الجسم، لذلك يهاجمها ويدمرها. ولكن عند الإصابة بأحد أمراض المناعة الذاتية "Autoimmune disease" فإن الجهاز المناعي يهاجم الخلايا السليمة في أعضاء وأنسجة الجسم عن طريق الخطأ.

يوجد أكثر من 80 نوعاً من أمراض المناعة الذاتية، ويمكن أن تؤثر على أي جزء من الجسم تقريباً، مما قد يؤدي إلى ظهور مجموعة متنوعة من الأعراض والمشاكل.

أسباب مهاجمة الجهاز المناعي الجسم

تتميز الخلايا اللمفاوية التائية وهي أحد أنواع الخلايا المناعية بوجود مستقبلات على سطحها تستطيع التعرف على العناصر الغريبة، ولكن يوجد بعض الخلايا التائية التي يتم تفعيلها بالأنسجة الخاصة بالجسم وتفاعلها معها، وهذه الخلايا عادة ما يتم تدميرها بواسطة الغدة التيموسية في الصدر وهي جزء من الجهاز المناعي.

تنشط بعض الخلايا التائية "ذاتية الهجوم" التي تنجو من التدمير بواسطة محفز مجهول، والذي يشتبه بأنه عدوى فيروسية أو هرمونات. تقوم الخلايا التائية في هذه الحالة بتوجيه الخلايا اللمفاوية البائية لإنتاج أجسام مضادة ضد النسيج أو العضو أو الجهاز المصاب، وتسمى هذه الأجسام المضادة الذاتية "Autoantibodies".

يُعتقد أن أمراض المناعة الذاتية تنشأ نتيجة عوامل وراثية وبيئية مختلفة. هناك فرضية بسيطة تقول إن المشاكل المورثية يمكن أن تؤدي إلى تنظيم معيب أو إنخفاض عتبة تنشيط الخلايا اللمفاوية، وأن العوامل البيئية قد تزيد من تنشيط الخلايا اللمفاوية ذاتية التفاعل التي خرجت عن السيطرة.

ومن هذا المنطلق، يمكن القول إن أمراض المناعة الذاتية هي نتيجة لتفاعل غير صحيح للخلايا اللمفاوية مع نسيج الجسم. ومن المهم فهم آلية عمل الخلايا اللمفاوية والتحكم فيها للحد من حدوث هذه الأمراض.

عوامل خطورة أمراض المناعة الذاتية

على الرغم من أن السبب الدقيق لأمراض المناعة الذاتية غير معروف، إلا أن هناك عوامل قد تزيد من فرص الإصابة، والتي قد تشمل ما يلي:

  • بعض الأدوية، مثل أدوية ضغط الدم والمضادات الحيوية
  • وجود أقارب مصابين بأمراض المناعة الذاتية، حيث يعتقد أن للوراثة دور في هذه الأمراض
  • التدخين
  • وجود إصابة بمرض مناعي ذاتي
  • التعرض للسموم
  • الإناث أكثر عرضة من الذكور للإصابة
  • البدانة
  • وجود عدوى من نوع ما

أشهر الأمراض المناعية الذاتية

تعتبر أمراض المناعة الذاتية شائعة نسبياً، حيث يعاني أكثر من 23.5 مليون شخص في الولايات المتحدة من حالة واحدة على الأقل من أمراض المناعة الذاتية، كما أنها تعتبر سبباً رئيسياً للوفاة والعجز عموماً.

وتشمل بعض أمثلة الأمراض المناعة الذاتية الأكثر انتشاراً ما يلي:

١- الصدفية "Psoriasis"

تعد الصدفية "Psoriasis" من الأمراض المناعية الذاتية التي تؤثر على جلد الإنسان، حيث يعتبر الجهاز المناعي مسؤولاً عن تكوين الخلايا الجلدية السليمة، ولكن في حالة الصدفية يقوم الجهاز المناعي بالهجوم على الخلايا الجلدية السليمة ويتسبب بتكوين خلايا جلدية غير طبيعية، مما يؤدي إلى ظهور بقع متقشرة وجافة وحاكة في الجلد.

يوجد العديد من أنواع الصدفية، وتختلف الأعراض بين نوع وآخر، ويعتمد ذلك على المنطقة المصابة وشدة الحالة. بعض الأنواع تشمل الصدفية التهاب المفاصل والتي تسمى أيضًا بصدفية الأعشاب، والتي تتسبب في آلام المفاصل وتورمها.

٢- التهاب الغدة الدرقية لهاشيموتو "Hashimoto’s thyroiditis"

التهاب الغدة الدرقية لهاشيموتو "Hashimoto’s thyroiditis" ويعرف أيضاً باسم داء هاشيموتو "Hashimoto’s disease" وهو أيضاً من أمراض المناعة الذاتية، وفيه يهاجم الجهاز المناعي الخلايا التي تفرز هرمونات الغدة الدرقية، مما يؤدي إلى حدوث قصور في عمل الغدة الدرقية.

وتشمل أعراض التهاب الغدة الدرقية لهاشيموتو ما يلي:

  • تضخم الغدة الدرقية
  • زيادة الوزن
  • التعب
  • الاكتئاب
  • آلام المفاصل والعضلات
  • زيادة الحساسية للبرد
  • تباطؤ معدل ضربات القلب
  • غزارة الطمث أو عدم انتظام الدورة الشهرية

٣- داء غريفز "Graves disease"

ومن أنواع أمراض المناعية الذاتية الأخرى يوجد داء غريفز "Graves disease" وهو مرض يتسبب في زيادة إفراز الغدة الدرقية لكميات زائدة من الهرمونات أو ما يسمى بفرط نشاط الغدة الدرقية "Hyperthyroidism"

ويصيب داء غريفز حوالي 1 من كل 200 شخص، وهو أكثر شيوعاً عند الإناث منه عند الذكور. وتشمل أعراضه ما يلي:

  • العصبية أو القلق
  • التعب والإجهاد
  • تسرع وعدم انتظام ضربات القلب
  • رجفان في اليدين
  • ارتفاع ضغط الدم
  • التعرق وصعوبة تحمل الحرارة
  • خسارة الوزن بدون سبب واضج
  • قلة الطمث وعدم انتظامه
  • تضخم الغدة الدرقية

٤- الداء المعوي الالتهابي "Inflammatory bowel disease"

الداء المعوي الالتهابي "Inflammatory bowel disease" وهو من أمراض المناعة الذاتية ويعتبر حالة طبية مزمنة تصيب الجهاز الهضمي، وفيه تؤدي استجابة الجهاز المناعي للمحفزات البيئية إلى حدوث التهاب في المعدة والأمعاء.

ومن الجدير بالذكر أن هناك نوعان رئيسيان من الداء المعوي الالتهابي:

  • داء كرون "Crohn’s disease" والذي يسبب التهاباً مزمناً في أي مكان من الجهاز الهضمي بدءاً من الفم ووصولاً إلى نهاية الأمعاء الغليظة.
  • التهاب القولون التقرحي "Ulcerative colitis" وفيه يحدث التهاب مزمن في الأمعاء الغليظة.

ويمكن أن تشمل أعراض الداء المعوي الالتهابي ما يلي:

  • آلام في المعدة
  • النفخة
  • الإسهال المستمر
  • خروج دم مع البراز
  • خسارة الوزن
  • التعب والإجهاد

٥- الداء الزلاقي "Celiac disease"

الداء الزلاقي "Celiac disease" وهو اضطراب مناعي ذاتي يتسبب في التهاب بطانة الأمعاء الدقيقة بعد تناول الشخص الأطعمة التي تحتوي على مادة الغلوتين "Gluten" وهو بروتين يتواجد في بعض الحبوب كالقمح والشعير.

فعندما يأكل الشخص المصاب بهذا المرض أطعمة تحتوي مادة الغلوتين فإن جهاز المناعة لديه يهاجم الأنسجة السليمة في الأمعاء الدقيقة، بالتالي يتسبب في تلفها مع مرور الوقت، ويمنعها من امتصاص العناصر الغذائية بشكل صحيح.

وتشمل أعراض الداء الزلاقي ما يلي:

  • التهاب وألم في البطن
  • عدم القدرة على امتصاص العناصر الغذائية الرئيسية
  • التعب
  • خسارة الوزن
  • الطفح الجلدي
  • آلام المفاصل
  • الإقياء
  • الإسهال

٦- الذئبة الحمامية الجهازية "Systemic lupus erythematosis"

يشير مرض االذئبة الحمامية الجهازية "Systemic lupus erythematosis" إلى مجموعة من الحالات التي تتميز بالتهاب الجلد والمفاصل والأعضاء الداخلية، وهو يصيب الإناث بشكل رئيسي. وهو من أمراض المناعة الذاتية التي تحدث عند مهاجمة الجهاز المناعي لخلايا الجسم وأنسجته.

وتشمل أعراض المرض ما يلي:

  • آلام في العضلات والمفاصل
  • ظهور طفح جلدي على شكل فراشة على الوجه
  • حساسية الشمس
  • التعب
  • الحمى

٧- التهاب المفاصل الروماتويدي  "Rheumatoid arthritis"

يعتبر التهاب المفاصل الروماتويدي "Rheumatoid arthritis" مرضاً مناعياً ذاتياً، بمعنى أن الجهاز المناعي يهاجم الخلايا الطبيعية في الجسم عن طريق الخطأ وهو أيضاً مرض جهازي يمكن أن يؤثر على الجسم كله. وهو من أكثر الاضطرابات المناعة الذاتية المزمنة شيوعاً، وفيه يهاجم الجهاز المناعي الأنسجة السليمة في المفاصل، وتشمل أعراضه ما يلي:

  • الألم والتورم حول المفاصل
  • تصلب المفاصل
  • خسارة الوزن
  • الإعياء
  • الضعف

٨- مرض السكري من النمط الأول "Type 1 diabetes"

عند الإصابة بمرض السكري من النمط الأول "Type 1 diabetes" يدمر الجهاز المناعي خلايا البنكرياس التي تنتج الأنسولين، مما يؤدي إلى نقص الأنسولين في الجسم في نهاية المطاف. وفي هذه الحالة لا يمكن نقل السكريات إلى جميع أنحاء الجسم بشكل صحيح، بالتالي ترتفع مستويات السكر في الدم.

وتشمل الأعراض ما يلي:

  • كثرة التبول
  • زيادة العطش
  • فقدان الطاقة
  • عدم وضوح الرؤية أو ضبابية الرؤية
  • الجوع
  • الغثيان

تشخيص أمراض المناعة الذاتية

قد يشكل تشخيص أمراض المناعة الذاتية تحدياً، لا سيما أن أعراض هذه الأمراض تميل إلى أن تكون عامة وتتداخل مع أعراض حالات أخرى.

ويتضمن التشخيص بشكل عام اختبارات الدم، حيث يسمح اختبار تعداد الدم الكامل "Complete blood count" بفحص مستويات خلايا الدم البيضاء والحمراء في الجسم، حيث تختلف مستوياتها عن المعتاد عندما يكون الجهاز المناعي في حالة هجوم.

كما أنه غالباً ما تشير اختبارات الدم البسيطة إلى حالات مختلفة، فمثلاً يتطلب تشخيص التهاب الغدة الدرقية لهاشيموتو اختباراً بسيطاً يقيس مستويات هرمون الغدة الدرقية.

أيضا يمكن أن تشير الاختبارات الأخرى إلى وجود التهاب غير عادي في الجسم، وهي مشكلة شائعة إلى حد ما بين أمراض المناعة الذاتية، وتشمل تلك الاختبارات تحليل البروتين المتفاعل C "CRP" وسرعة التثفل "ESR".

وفي بعض الحالات قد يستغرق الوصول إلى التشخيص وقتاً طويلاً، ويوصي الخبراء بما يلي:

  • كتابة التاريخ الصحي للعائلة
  • تسجيل الأعراض بمرور الوقت
  • استشارة أخصائي بحسب الأعراض المشاهدة
  • طلب آراء مختلفة ومتعددة إذا لزم الأمر، فليس من الخطأ استشارة طبيب آخر للتأكد من صحة التشخيص

الوسائل العلاجية

مع الأسف لا يوجد علاج محدد لأمراض المناعة الذاتية في الوقت الحالي، ولكن تتوفر علاجات يمكن أن تخفف من شدة الأعراض أو تعالجها وتبطئ تقدم المرض، بالتالي تحسن من نوعية حياة المريض.

وتختلف الأساليب المتبعة حسب الحالة، وتشمل العلاجات الشائعة ما يلي:

١- تخفيف الأعراض

تتعدد أعراض أمراض المناعة الذاتية ويمكن تخفيف بعض هذه الأعراض من خلال بعض العلاجات.

على سبيل المثال، يمكن استخدام الأسبرين "Aspirin" أو الإيبوبروفين "Ibuprofen" لتخفيف الألم الخفيف والتورم، كما يمكن استخدام أدوية أخرى تم تصميمها خصيصًا لعلاج الأعراض النفسية مثل الاكتئاب والقلق ومشاكل النوم.

ويمكن استشارة الطبيب لتحديد العلاجات الأنسب لكل حالة، فقد يوصي الطبيب بأدوية مضادة للالتهابات أو العلاجات الحيوية أو العلاج الفيزيائي أو العلاج بالأشعة، حسب نوع وشدة الحالة.

بالإضافة إلى ذلك يمكن أن تساعد ممارسة التمارين الرياضية بانتظام واتباع نظام غذائي صحي متوازن بتخفيف أعراض أمراض المناعة الذاتية.

٢- تناول الأدوية المعيضة

تؤثر أمراض المناعية الذاتية على الجسم بأشكال مختلفة ومتنوعة. وتُعد الأدوية المعيضة جزءًا هامًا من العلاج لهذه الأمراض. وهي المواد التي تُستخدم لتخفيف أو منع تفاعل الجهاز المناعي مع الأنسجة الخاصة بالجسم، مثل الأدوية المضادة للروماتيزم والكورتيكوستيرويدات والمناعة المضادة للأجسام والمضادات الحيوية.

يعتمد نوع الدواء المستخدم على نوع وشدة المرض المناعي الذاتي وعوامل أخرى.

يتم استخدام الأدوية المعيضة لتقليل تأثيرات الجهاز المناعي على الجسم. حيث من الممكن أن يؤثر بعض اضطرابات المناعة الذاتية على إنتاج بعض المواد الحيوية التي يحتاجها الجسم، كما هو الحال في مرض السكري من النمط الأول، حيث يصبح الجسم غير قادر على إنتاج الأنسولين الكافي لتنظيم نسبة السكر في الدم، وبالتالي يحتاج المريض إلى تعويض الكمية المفقودة منه. ولتحقيق ذلك، يمكن للمريض أن يتلقى حقن الأنسولين.

ومن المهم استشارة الطبيب المختص لتحديد الدواء المناسب والجرعة المناسبة للمريض والالتزام بالزيارات الدورية للطبيب لمراقبة فعالية الدواء.

٣- أخذ المثبطات المناعية

يُعد تناول المثبطات المناعية من السبل العلاجية الشائعة لأمراض المناعة الذاتية، وتعمل هذه الأدوية على تثبيط نشاط الجهاز المناعي، الذي يقوم بمهاجمة خلايا الجسم السليمة بالخطأ في حالة وجود أمراض المناعة الذاتية. ويمكن لهذه الأدوية تخفيف بعض الأعراض الناتجة عن المرض وتبطئ تقدمه.

ومع ذلك، ينبغي ملاحظة أن هذه الأدوية قد تسبب بعض الآثار الجانبية السلبية على المريض، ومن أمثلتها:

  • الغثيان والقيء
  • الصداع
  • الإسهال
  • الآلام في العضلات
  • زيادة خطر الإصابة بالعدوى
  • تغييرات في نسبة السكر في الدم

لذلك يجب استشارة الطبيب المعالج قبل تناول هذه الأدوية ومتابعة الجرعات الموصوفة للتحكم بالآثار الجانبية وتفادي الآثار السلبية المحتملة.

٤- تجنب المحرضات

يعتبر تجنب المحرضات أو المؤثرات المحتملة لتفاعلات المناعة أحد الطرق المهمة لتخفيف أعراض أمراض المناعة الذاتية، حيث يمكن لهذا الإجراء المساعدة في تخفيف الأعراض أو حتى القضاء عليها، وكذلك في إبطاء تقدم المرض. يتضمن ذلك تجنب الأشياء التي يمكن أن تثير رد فعل المناعة، مثل الغذاء والمواد المنزلية والكيماويات والتدخين والإجهاد النفسي.

على سبيل المثال في حالة الإصابة بأمراض المناعة الذاتية مثل الداء الزلاقي، يمكن أن يتم التخلص من الأعراض بتجنب الأطعمة التي تحتوي على الغلوتين ويعتبر من المحرضات الشائعة لتفاعلات المناعة. ويمكن استشارة الطبيب لتحديد الأطعمة والمواد التي يجب تجنبها ومراجعته بشأن المكملات الغذائية اللازمة لتعويض أي نقص في التغذية الناجمة عن تجنب المحرضات.