اضطرابات الأكل النفسية: الأسباب والعلاج

الكاتب - أخر تحديث 18 مارس 2024

قد يكون أمراً طبيعياً أن تتجنب تناول كميات مفرطة من الطعام للحفاظ على وزن صحي، ولكن المبالغة والإفراط في الاهتمام بالمظهر والوزن قد يحمل معه اضطراباً من اضطرابات الأكل النفسية.

على الرغم من أنها اضطرابات تتعلق بتناول الطعام كما يبدو من اسمها، إلا أنها أمراض بيولوجية ونفسية واجتماعية متعددة العوامل، شائعة بين الناس، ويمكن علاجها والحد من آثارها.

ما هي اضطرابات الأكل النفسية؟

تتميز اضطرابات الأكل النفسية بمشاكل مستمرة في أنماط الأكل تؤدي إلى تدهور في الصحة الجسدية والنفسية.

وتشترك جميعها بسلوكيات غير طبيعية واضطراب في الأكل، وتشمل اضطرابات الأكل النفسية الرئيسية:

  • فقدان الشهية العصبي
  • الشره المرضي العصبي
  • اضطراب الأكل القهري
  • اضطراب تجنب أو تقييد تناول الطعام
  • اضطراب البيكا
  • اضطراب الاجترار

تعتبر اضطرابات الأكل النفسية شائعة نسبياً، وتنتشر بين النساء أكثر من الرجال، وغالباً ما تتطور خلال فترة المراهقة أو بداية البلوغ، ولكن من الممكن ظهورها في أثناء الطفولة أو في وقت لاحق في الحياة.

يستطيع العديد من الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات الأكل النفسية إخفاء سلوكيات الأكل المضطربة عن عائلاتهم لأشهر أو سنوات.

أنواع اضطرابات الأكل النفسية

إن العامل المشتركة لجميع اضطرابات الأكل النفسية هي سلوكيات الأكل غير الطبيعية. وهو الأمر الذي غالباً ما يحد من الوظائف الجسدية والنفسية وحتى الاجتماعية، حيث تقيد اضطرابات الأكل الصحة والقدرة على العمل، مما يضر بنوعية الحياة.

وعموماً، تختلف الأعراض حسب نوع الاضطراب:

١- فقدان الشهية العصبي

يتسم فقدان الشهية العصبي بوضع قيود مستمرة على تناول الطعام، والخوف الشديد من اكتساب الوزن أو الإصابة بالسمنة، وإدراك يكون غالباً مشوه لوزن الجسم أو شكله.

عادةً ما يحافظ الشخص المصاب بفقدان الشهية العصبي على وزن جسم أقل من المستوى الطبيعي الأدنى بالنسبة للعمر والجنس والصحة البدنية.

كما غالباً ما يحاول الأشخاص المصابون بفقدان الشهية العصبي إنقاص الوزن عن طريق اتباع نظام غذائي أو الصيام أو ممارسة الرياضة بشكل مفرط، أو اللجوء إلى سلوكيات خاصة تدعى بسلوكيات التطهير عن طريق التقيؤ الذاتي أو استخدام الملينات بشكل مستمر.

٢- الشره المرضي العصبي

يتميز الشره المرضي العصبي بنوبات متكررة من تناول كميات كبيرة غير معتادة من الطعام (الشراهة) والشعور بفقدان السيطرة على الأكل.

يتبع ذلك نوع من السلوك الذي يعوض النهم مثل القيء القسري، والإفراط في استخدام المسهلات، وممارسة الرياضة بشكل مفرط.

٣- اضطراب الأكل القهري أو اضطراب الشراهة

يتسم اضطراب الأكل القهري بنوبات متكررة من الأكل بنهم أكبر بكثير مما قد يأكله معظم الناس في فترة زمنية مماثلة في ظروف مماثلة، يشعر خلالها الشخص بفقدان السيطرة على أكله.

وعلى عكس الشره المرضي، فإن نوبات الأكل القهري لا يتبعها التطهير أو الإفراط في ممارسة الرياضة أو الصيام.

نتيجة لذلك، غالباً ما يعاني الأشخاص المصابون باضطراب الأكل القهري من زيادة الوزن أو السمنة.

٤- اضطراب تجنب أو تقييد تناول الطعام

يتميز اضطراب تجنب أو تقييد تناول الطعام بتخفيف كميات الطعام المتناول بشكل كبير، بغض النظر عن نوعها أو تجنب تناول الطعام بناءً على تجربة سلبية سابقة مع الطعام أو الخصائص الحسية للطعام (المظهر، الرائحة، المذاق، الملمس، طرق التقديم).

٥- اضطراب الاجترار

اضطراب الاجترار هو اضطراب في الأكل يتميز بارتجاع الطعام المتكرر بعد الأكل دون إظهار أي علامات للغثيان أو التهوع اللاإرادي أو الاشمئزاز.

يوصف سلوك الارتجاع أحياناً بأنه اعتيادي أو خارج عن سيطرة الفرد، ويتسم هذا الاضطراب بفقدان الوزن.

وعادةً ما يقوم المصابون باضطراب الاجترار بمحاولات لإخفاء سلوك القلس عن طريق وضع أيديهم على الفم أو السعال. كما يتجنبون الأكل قبل المواقف الاجتماعية، مثل العمل أو المدرسة.

٦- اضطراب بيكا

يتميز اضطراب بيكا بتناول واحد أو أكثر من المواد غير الغذائية على أساس دائم.

تشمل المواد التي يتناولها الأشخاص المصابون باضطراب بيكا عادة الورق والصابون والشعر والثلج والطلاء والحصى والتربة والطباشير. ولا يشعر الأشخاص المصابون باضطراب بيكا بنفور من الطعام بشكل عام.

ويعتبر هذا النوع من الاضطرابات أكثر انتشاراً بين الأشخاص ذوي الإعاقات الذهنية.

من بين كل الأنواع باضطرابات الأكل النفسية يعتبر اضطراب الأكل القهري هو اضطراب الأكل الأكثر شيوعاً. أما فقدان الشهية العصبي فهو أكثرها ضرراً على الصحة العقلية، وذلك لأن الأفراد المصابين بفقدان الشهية معرضون بشكل متزايد لخطر الموت بالانتحار.

أسباب اضطرابات الأكل النفسية

أحد أهم أسباب اضطرابات الأكل النفسية هو الشعور بالضيق أو القلق بشأن شكل الجسم أو الوزن. قد يكون الشخص المصاب قد بدأ في تناول كميات أقل أو أكبر من الطعام عن المعتاد. ولكن في مرحلة ما، يمكن أن تخرج الرغبة في تناول كميات أقل عن المعتاد أو أكثر عن السيطرة.

نظراً لتعقيد اضطرابات الأكل النفسية، فإن الأسس البيولوجية والسلوكية والاجتماعية لهذه الأمراض لا تزال قيد البحث، ويمكن جمع العوامل المرتبطة بها كما يلي:

١- عوامل بيولوجية

  • وجود قريب من الدرجة الأولى (مثل أحد الوالدين أو الأشقاء) مصاب بأحد اضطرابات الأكل النفسية
  • وجود قريب يعاني من حالة صحية عقلية، مثل القلق والاكتئاب أو الإدمان
  • اتباع نظام غذائي صارم أو أي من الطرق الأخرى للتحكم في الوزن
  • وجود أمراض عضوية خاصة مرض السكري من النوع الأول (المعتمد على الأنسولين)

٢- عوامل نفسية

  • النزعة إلى الكمالية: نزعة الكمال أحد أقوى عوامل الخطر لاضطرابات الأكل النفسية، وخاصة ذلك الذي يتضمن وضع توقعات عالية غير واقعية لنفسه.
  • عدم الرضا عن صورة الجسد: من المألوف وجود العديد من الأشخاص الذين يعانون من عدم تقبل أشكالهم، ولكن الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات الأكل النفسية هم أكثر عرضة لحدوث عدم الرضا عن صورة الجسد بشكل مرضي.
  • التاريخ الشخصي لاضطراب القلق: أظهر العديد من الأشخاص الذين يعانون من هذه الاضطرابات علامات لأحد اضطرابات القلق قبل بداية هذه الحالة.
  • عدم المرونة السلوكية: أفاد العديد من الأشخاص المصابين بفقدان الشهية بأنهم، خلال مرحلة الطفولة، اتبعوا دائماً قواعد معينة وشعروا أن هناك طريقة واحدة صحيحة للقيام بالأشياء. (4)

٣-عوامل اجتماعية

  • وصمة الوزن: إن التعرض المستمر للرسالة التي مفادها أن النحافة هي الأفضل والموجودة في كل مكان وخاصة بوسائل التواصل الإجتماعية وما يتعلق بالموضة. يمكن أن يزيد من استياء الشخص من شكل الجسم، مما قد يؤدي إلى اضطرابات الأكل النفسية (1)
  • التنمر الاجتماعي بخصوص الوزن أو الشكل: ويعتبر عامل خطر في العديد من الاضطرابات، حيث أن عدداً كبيراً من المصابين باضطرابات الأكل النفسية قالوا أن التنمر ساهم في تطور اضطرابات الأكل لديهم.
  • الوحدة والعزلة: هي بعض السمات المميزة للعديد من اضطرابات الأكل النفسية.

أسس العلاج

يمكن علاج اضطرابات الأكل النفسية واستعادة الوزن الصحي والحالة النفسية السليمة، وذلك كلما كان تشخيص الحالة وعلاجها أبكر، حيث تكون النتيجة أفضل.

ولكن ونظراً لتعقيدات هذه الحالات، تتطلب اضطرابات الأكل خطة علاج شاملة على عدة أصعدة تتضمن الرعاية الطبية والمراقبة، والاستشارات الغذائية، والعلاج النفسي، وعند الضرورة بعض الأدوية.

يساهم العلاج الصحي السلوكي التعافي من خلال إعادة الوزن إلى طبيعته واستعادة عادات الأكل الصحية.

ويعمل أيضاً على بناء مهارات الأكل الصحي وإدارة الأحداث المجهدة التي يمر بها الشخص والمساعدة في منع الانتكاسات في المستقبل بعد العلاج.

مضاعفات الحالة

إن اضطرابات الأكل النفسية أمراض يمكن علاجها والتعافي منها بشكل كامل، ولكن قد يتعرض المصابين لمجموعة واسعة من المضاعفات الصحية وخاصة عند إهمال العلاج، بما في ذلك أمراض القلب والفشل الكلوي، والتي قد تؤدي إلى الوفاة.

ومن أهم المضاعفات التي يمكن التعرض لها:

  • إن استهلاك سعرات حرارية أقل مما يحتاجه الجسم يؤدي إلى تعب جميع الأعضاء والأجهزة. يبدأ النبض وضغط الدم في الانخفاض لأن القلب لديه وقود أقل وخلايا أقل لضخ الدم مما يؤدي في النهاية لزيادة خطر الإصابة بالفشل القلبي.
  • تؤدي سلوكيات التطهير عن طريق القيء القسري أو الملينات إلى خسارة العديد من المواد الكيميائية المهمة في الجسم، الأمر الذي يؤدي إلى خلل في عمل كافة وظائف الجسم.
  • اضطراب عمليات الهضم سواء بتقييد الطعام أو الشراهة أو سلوكيات التطهير يؤدي إلى آلام في المعدة، والانتفاخ، وتقلبات السكر في الدم بالإضافة إلى تقرحات المعدة وزيادة الإصابة بالالتهابات البكتيرية.
  • إن تناول مواد غير غذائية غير قابلة للهضم قد يؤدي إلى بقاءها في الجهاز الهضمي (المريء أو المعدة أو الأمعاء) مسبباً العديد من الأمراض، أو حتى الانثقاب المعوي.
  • التسمم بالمعادن الثقيلة الناجم عن ابتلاع الطلاء المحتوي على الرصاص.
  • مشاكل عصبية كضعف التركيز، ومشاكل النوم، والصداع، والدوخة، وغيرها.
  • مشاكل هرمونية كنقص الهرمونات الجنسية والدرقية وما تسببه من مشاكل في الدورة الشهرية ومشاكل جنسية أخرى.
  • فقر الدم، مشاكل الشعر والأظافر وهشاشة العظام
  • معدل الوفيات للأشخاص الذين يعانون من اضطرابات الأكل النفسية يفوق معدل الوفيات للأشخاص الذين لا يعانون منها.
    • يوجد خطر متزايد للوفاة المبكرة لجميع أنواع اضطرابات الأكل النفسية، ولكن الأشخاص الذين يعانون من فقدان الشهية العصبي لديهم أعلى معدل وفيات من جميع الحالات النفسية بسبب المضاعفات النفسية والفسيولوجية.

الخلاصة

يعتبر الاعتراف باضطرابات الأكل النفسية كأمراض حقيقية قابلة للعلاج أمراً بالغاً في الأهمية.

فعندما يصاب شخص ما باضطراب في الأكل، فإن السبب نفسي ومعقد للغاية بحيث لا يمكن إلقاء اللوم على أي شخص أو حدث أو جين واحد.

وتعد استراتيجيات الوقاية كالتركيز على تعزيز احترام الذات وصورة الجسم الإيجابية، وتحدي وصمة العار المتعلقة بالوزن، كلها تساعد في الوقاية من حدوث اضطرابات الأكل النفسية.