اضطراب ما بعد الصدمة عند الأطفال

المراجعة الطبية - M.D
الكاتب - أخر تحديث 22 مارس 2023

قد يعاني جميع الأطفال من أحداث مرهقة للغاية تؤثر على طريقة تفكيرهم وشعورهم، وفي معظم الأوقات يتعافون بسرعة، ولكن وفي بعض الأحيان يتأثر الأطفال الذين يعانون من ضغوط شديد مثل الإصابة أو الموت أو من العنف على المدى الطويل وقد يتم تشخيصهم باضطراب ما بعد الصدمة "Post-traumatic Stress Disorder in Children".

الصدمة هي حدث خطير يجعل الشخص يخشى على حياته أو سلامته، ولكن عندما تتغلب الصدمة على قدرة الطفل على التأقلم فنكون أمام خطر تطور اضطراب ما بعد الصدمة. ومثل البالغين، يحتاج الأطفال المصابون باضطراب ما بعد الصدمة إلى مساعدة إضافية ودعم من أجل التعافي.

تعريف اضطراب ما بعد الصدمة

اضطراب ما بعد الصدمة "PTSD" هو مشكلة صحية عقلية تؤثر على الناس من جميع الأعمار ومن ضمنهم الأطفال، يمتلك فيها الطفل المصاب أفكاراً وذكريات مخيفة عن حدث سابق، يجده مرعباً سواء بشكل جسدي أو عاطفي.

تشير الدراسات إلى أن حوالي 3% إلى 15% من الفتيات اللواتي تعرضن لصدمة، وحوالي 1% إلى 6% من الأولاد اللذين تعرضوا لصدمة، يصابون باضطراب ما بعد الصدمة. (1)

كما أن الإصابة عند الفتيات أكثر شيوعاً من الأولاد وهي مشابهة للنسبة عند البالغين بين الإناث والذكور. (2)

أعراض اضطراب ما بعد الصدمة عند الأطفال

يمكن أن يؤثر اضطراب ما بعد الصدمة على الأطفال وكذلك البالغين بأعراض متشابهة مثل صعوبة النوم والكوابيس المزعجة.

وقد يفقد الأطفال المصابون باضطراب ما بعد الصدمة أيضاً الاهتمام بالأنشطة التي اعتادوا الاستمتاع بها، ويمكن أن تظهر عليهم أعراض جسدية مثل الصداع وآلام المعدة.

ويمكن القول أن السمات العامة للأعراض لا تخرج خارج إطار الفئات الأربعة لاضطراب ما بعد الصدمة عند البالغين:

  • استرجاع التجربة من خلال أفكار مؤلمة قد تحدث دون سابق إنذار
  • تجنب الأشخاص أو الأشياء التي تكون بمثابة تذكير بالحدث
  • التغيرات في المزاج والإدراك كانخفاض الاهتمام بما كان سابقاً مسلياً
  • التغيرات في الاستثارة ورد الفعل مثل:
    • صعوبة الاستمرار في النوم والكوابيس المستمرة
    • التصرف بمزيد من الانفعال
    • الغضب بسرعة وبشدة
    • الإصابة بالذهول بسهولة

ولكن وبالإضافة لما سبق، يظهر عند الأطفال المصابون باضطراب ما بعد الصدمة سلوكيات أخرى لا تناسب المرحلة العمرية مثل:

  • التبول اللاإرادي وتبليل السرير بعد انقضاء مرحلة تعلم استخدام المرحاض
  • السلوك الصعب غير المرن
  • اضطراب أو تراجع القدرة على الكلام
  • اللجوء لأساليب لعب محددة يمكن من خلالها إعادة تمثيل الحدث الصادم مراراً وتكراراً
  • التشبث بشكل غير عادي بأحد الوالدين أو بشخص بالغ آخر
  • قد تظهر لديهم أيضاً أفكار للانتقام

وكل ذلك يثير قلق الأهل، ويؤثر على كيفية عمل الطفل في المدرسة وعلاقته بأفراد الأسرة والأقران.

الأسباب وعوامل خطورة الإصابة

قد يكون الحدث الصادم الذي يؤدي إلى اضطراب ما بعد الصدمة هو شيء ما حدث للطفل أو شيء ما حدث لشخص قريب من الطفل أو شيء ما رآه الطفل.

وتشمل الأمثلة بشكل عام:

  • فقدان أحد الوالدين بسبب الوفاة أو الانفصال، خاصة إذا كان مفاجئاً
  • الاعتداء الجسدي أو الجنسي
  • الحوادث السيئة، مثل حوادث السيارات
  • الإجراءات الطبية الطارئة، خاصة للأطفال الذين تقل أعمارهم عن 6 سنوات
  • لدغات الحيوانات، والكوارث الطبيعية مثل الفيضانات أو الزلازل
  • المآسي التي من صنع الإنسان، مثل التفجيرات والحروب
  • الإساءة العاطفية أو التنمر لا سيما في الشارع أو المدرسة أو الجيران

لا يعرف بالضبط سبب إصابة بعض الأطفال باضطراب ما بعد الصدمة بعد تعرضهم لأحداث مرهقة وصدمة، حيث أن البعض يصاب بينما آخرون لا يصابون بها.

وقد تلعب العديد من العوامل دوراً، بما في ذلك العوامل البيولوجية العضوية أو النفسية.

فمن العوامل البيولوجية والتي لازالت غير مدروسة بشكل جيد حتى الآن ولكنها قد تفسر سبب تفاوت الإصابة بين مختلف الأطفال (3):

  • زيادة فعالية هرمونات التوتر والقلق مثلما هو الحال عند البالغين المعرضين أكثر لخطر الإصابة باضطراب ما بعد الصدمة.
  • صغر البنى الدماغية، وهو غير ملاحظ عند البالغين، في حين كانت النظرية المقترحة عند البالغين هي صغر الحصين (مكان الذكريات) ولكن لم يتم تقديم أي دليل حولها عند الأطفال.

أما العوامل النفسية فتتعلق بما يلي:

  • مدى شدة الصدمة
  • مدى سرعة حصولهم على المساعدة والدعم
  • التاريخ السابق المتعلق بالصدمات
  • الإصابة بالاكتئاب والقلق
  • المخاطر الموروثة مثل التاريخ العائلي للاكتئاب والقلق

التشخيص

لتشخيص اضطراب ما بعد الصدمة عند الأطفال، يجب وجود حدث معين قد تسبب في ظهور الأعراض، وفي حال كان الحدث محزناً، فقد لا يرغب الأطفال في التحدث عنه.

لذلك قد تكون هنالك حاجة إلى مقدم رعاية صحية يتمتع بمهارات عالية في التحدث مع الأطفال والعائلات.

عملياً، لا يصاب كل طفل أو مراهق يمر بصدمة باضطراب ما بعد الصدمة، ولذلك فلا يمكن تشخيص اضطراب ما بعد الصدمة عند الأطفال إلا إذا استمرت الأعراض في الظهور لأكثر من شهر وأثرت سلباً على حياة الطفل وكيفية عمله.

ومثل الحال عند البالغين، قد تستمر الأعراض لبضعة أشهر على الأقل بعد الحدث أو قد تبدأ أيضاً بعد أشهر أو سنوات.

علاج اضطراب ما بعد الصدمة عند الأطفال

تتضمن المساعدة لاضطراب ما بعد الصدمة عموماً الطفل والوالدين وذلك من خلال:

  • خلق شعور بالأمان
  • مساعدة الطفل على التحدث عن مشاعره وخبراته بشكل مباشر أو من خلال الفن واللعب
  • تعليم الطفل الاسترخاء ومهارات التأقلم

يعتمد العلاج على أعراض الطفل وعمره وصحته العامة، وعلى مدى خطورة الحالة، ويشمل: العلاج النفسي والعلاج الدوائي.

١- العلاج النفسي

يساعد العلاج النفسي الأطفال على التحدث أو الرسم أو اللعب أو الكتابة عن صدماتهم، وذلك من خلال العلاج السلوكي المعرفي (CBT) الذي يعلم الأطفال التعامل مع مخاوفهم.

حيث في العلاج المعرفي السلوكي، لا يتحدث الطفل بشكل مباشر عن الحدث المزعج بل يتعلم بدلاً من ذلك مهارات للتعامل مع المشاعر الصعبة.

ويدعى العلاج السلوكي المعرفي الذي يركز على الصدمات (TF-CBT) حيث يستخدم هذا النوع من العلاج أنشطة التحدث والتعلم، ويهدف إلى:

  • تعليم الطفل مهارات التعامل مع قلقه وإتقان الموقف الذي أدى إلى اضطراب ما بعد الصدمة
  • تغيير الأفكار والمشاعر عن طريق تغيير السلوك أولاً لتقليل الخوف أو القلق

بالنسبة للأطفال الأصغر سناً، يشمل علاج الصدمات أنشطة التحدث واللعب والرسم والقصة، وذلك بوجود الوالد أو مقدم الرعاية دائما أثناء العلاج، وذلك لأن لدعمهم دوراً كبيراً في مساعدة أطفالهم على الشعور بالأمان والقيام بعمل جيد.

بالنسبة للأطفال الأكبر سناً والمراهقين فغالباً ما يشمل علاج اضطراب ما بعد الصدمة ما يلي:

  • العلاج السلوكي المعرفي (CPT): للمساعدة في تخطي الأفكار السلبية والمشاعر حول الصدمة.
  • التعرض المطول (PE): لمساعدة المراهقين على تقليل القلق وتعلم مواجهة الأشياء التي يتجنبونها بأمان بعد الصدمة.
  • علاج إزالة حساسية حركة العين وإعادة المعالجة (EMDR): العلاج المعرفي المشترك مع حركات العين الموجهة لتقليل قوة وألم الصدمة، حيث يساعد الدماغ على إعادة معالجة ذاكرة الصدمة (4)

٢- العلاج الدوائي

يمكن استخدام الأدوية لتقليل الأعراض المرافقة مثل الاكتئاب أو القلق مما يساعد الأطفال على الشعور بالهدوء.

يختلف التعافي من اضطراب ما بعد الصدمة، ففي حين يتعافى بعض الأطفال في غضون 6 أشهر، يعاني البعض الآخر من أعراض تستمر لفترة أطول.

يعتمد التعافي من الصدمة على نقاط القوة الداخلية للطفل، ومهارات التأقلم، كما يتأثر بمستوى دعم الأسرة، ويلعب الآباء دوراً حيوياً في العلاج.

نصائح للأهل للتعامل مع الإصابة

  • ساعد طفلك على الشعور بالأمان: قد يحتاجون إلى مزيد من الوقت والراحة والعناية منك لفترة من الوقت.
  • ساعد طفلك على الاسترخاء: ادعهم للجلوس والتنفس ببطء معك، افعلوا الأشياء التي تستمتعون بها معاً، مثل اللعب، والضحك أو الاستمتاع بالطبيعة، وتحضير الوجبات معاً، يمكن لكل ذلك أن يقلل من التوتر ويبني مرونة طفلك.
  • طمأن طفلك: دعهم يعرفون أن الوضع الحالي سيتغير ويمر بسلام وأنك موجود للدعم والمساعدة.
  • استشر الطبيب المختص والمسؤول عن متابعة حالة الطفل، حيث يمكن أن يساعد بتقديم الدعم والأفكار.
  • أخبر معلم طفلك أن طفلك تعرض لصدمة: قد يواجه الأطفال المصابون باضطراب ما بعد الصدمة صعوبة أكبر في التركيز على العمل المدرسي.

وفي الختام، لا تقلق من إصابة طفلك باضطراب ما بعد الصدمة أو أي اضطراب نفسي آخر ما دمت موجوداً معه للعلاج والمساعدة.

حيث يفقد الأطفال الثقة والأمان بغياب الدعم لأنه العلاج الأساسي لأي اضطراب نفسي قد يختبرونه، فقط ركز على دعم طفلك وتقديم الحب والطمأنينة له.