اعتلال العضلة القلبية الضخامي

الكاتب - 9 أغسطس 2023

إن اعتلال عضلة القلب أحد الأشكال والحالات المرضية التي تصيب القلب وتؤثر على بنيته ووظيفته. ويكون لهذه الاعتلال عدة أنواع وأنماط مختلفة وذلك وفقاً للآلية المرضية المسببة للاعتلال. ويعد اعتلال عضلة القلب الضخامي هو أحد هذه الأشكال. وسنتعرف في هذا المقال على الأعراض المرافقة لهذا النوع بالإضافة لطرق التشخيص.

ما هي حالة اعتلال العضلة القلبية الضخامي؟

اعتلال عضلة القلب الضخامي "Hypertrophic Cardiomyopathy" هي حالة وراثية المنشأ قليلة الانتشار، يحدث فيها تسمك وتضخم في خلايا عضلة القلب. حيث تصاب الخلايا العضلية في جدران القلب بحالة من زيادة العدد والتضخم غير الطبيعية، بالتالي تسبب زيادة في حجم القلب وبدورها تؤثر على عمل القلب وفعاليته في ضخ الدم.

تؤثر حالة الثخانة والتسمك في هذه الحالة على كافة جدران القلب لكن أكثر ما يتأثر هو جدار البطين الأيسر وهي الحجرة الرئيسية المسؤولة عن ضخ الدم لأنحاء الجسم، بالإضافة لتأثر الحاجز بين البطين الأيسر والبطين الأيمن أيضا.

تسبب هذه الثخانة في جدران القلب أحياناً إعاقة في عملية ضخ الدم من القلب لأنحاء الجسم مما قد يسبب نقص في التروية الدموية، بالإضافة لزيادة الحمل والضغط على القلب مما يؤدي مع الوقت لظهور الأعراض المرتبطة بقصور القلب أو اعتلال القلب الضخامي.

سبب الإصابة باعتلال العضلة القلبية الضخامي

حالة اعتلال عضلة القلب الضخامي هي حالة وراثية المنشأ، أي أنها تكون ناجمة عن وجود طفرات وخلل في مورثة أو عدة مورثات، تنتقل هذه المورثات من أحد الأبوين أو كليهما وتسبب تطور هذا الاعتلال، والسبب في حصول هذه الطفرات غير مفهوم تماماً.

تصنف المورثات الطافرة المسؤولة عن هذه الحالة على أنها مورثات جسدية سائدة. وهذا يعني بأنه يكفي تواجد مورثة مسببة من أحد الابوين وانتقالها للأبناء ليظهر هذا الاعتلال لديهم. أي بمعنى أخر إذا كان أحد الأبوين لديه اعتلال عضلة قلبية ضخامي أو يحمل المورثات المسببة له فإن 50% من الأبناء ستنتقل إليهم هذه المورثات المسببة، ولكن ليس بالضرورة أن تحدث ضخامة في العضلة القلبية.

ووفقاً للإحصائيات فإن معدل الإصابة وحدوث اعتلال العضلة القلبية الضخامي هو 0.16-0.29%.

أنواع اعتلال العضلة القلبية الضخامي

يتم تصنيف اعتلال العضلة القلبية الضخامي إلى نمطين رئيسين. وذلك وفقاً للأعراض والتأثيرات التي يسببها الاعتلال الضخامي على جريان الدم وضخه من القلب، والنمطين هما:

١- اعتلال العضلة القلبية الضخامي الحاصر "Obstructive"

يحدث في هذا النوع ثخانة وفرط تصنيع في الخلايا العضلية لجدران القلب على مستوى الحجاب الفاصل بين البطينين الأيمن والأيسر. هذا التضخم في سماكة الحجاب بالإضافة إلى السماكة والتضخم في عضلات جدار البطين الأيسر قد يسبب انسداد وإعاقة لضخ الدم وخروجه من البطين الأيسر باتجاه الشريان الأبهر بالتالي يحدث حصار لجريان الدم من البطين الأيسر وخلل في ضخه للجسم لذلك سمي باعتلال العضلة القلبية الضخامي الحاصر، وهو أكثر الأنواع شيوعاً.

٢- اعتلال العضلة القلبية الضخامي غير الحاصر "Nonobstructive"

يحصل في هذا النوع سماكة وثخانة معممة في جدران القلب العضلية دون تأثر عملية جريان وضخ الدم في القلب والبطين الأيسر.

الآلية المرضية

الآلية الرئيسية لظهور الأعراض في اعتلال عضلة القلب الضخامي هو النمو المفرط والثخانة التي تحدث على مستوى جدران القلب وبالأخص البطين الأيسر والحاجز بين البطينين، حيث تسبب هذه الزيادة في السماكة والكتلة العضلية لجدران القلب ما يلي:

  • إعاقة في جريان الدم وخروجه من البطين الأيسر اثناء التقلص وذلك بسبب السماكة في الحاجز بين البطينين الذي يضيق طريق خروج وجريان الدم من القلب.
  • نقص مرونة ومطاوعة جدران القلب بسبب التمسك والثخانة المفرطة في الجدران مما يجعلها لا تتحرك بشكل فعال وطبيعي.
  • حدوث نقص تروية وأعراض خناق صدر عند المريض بسبب عدم قدرة شرايين القلب الاكليلية على تلبية حاجة الخلايا والكتلة العضلية المتضخمة لجدران القلب.
  • تراجع في حجم جوف البطين الأيسر وفي قدرته على استيعاب الدم، وذلك بسبب الضخامة والسماكة في الجدران التي تقلل حجم البطين من الداخل.

الأعراض

يمكن للأعراض أن تظهر وتبدأ في أي عمر ولكن لوحظ أن الوقت الأكثر شيوعاً لبدأ أعراض اعتلال عضلة القلب الضخامي هو العقد الثالث من العمر، وبالمقابل هناك عدد كبير من الحالات تكون لا عرضية حتى مع وجود الضخامة والتسمك في جدران القلب.

وتتضمن أشهر الأعراض المرافقة لحالة اعتلال العضلة القلبية الضخامي ما يلي:

  • الألم الصدري والذي غالباً ما يكون خناقي الطبيعة أي يتحرض بالجهد والحركة ويخف بالراحة
  • الإغماء والذي ينجم عن نقص التروية الدموية للجسم والدماغ بفعل الثخانة الحاصلة
  • الإحساس بالخفقان أي تسرع ضربات القلب وعدم انتظام ضربات القلب
  • ضيق التنفس والزلة التنفسية وخصوصاً اثناء الجهد

الأساليب التشخيصية

يحتاج تشخيص وجود اعتلال العضلة القلبية الضخامي لمجموعة من الإجراءات التي تتضمن:

١- القصة المرضية والفحص السريري

يستعرض الطبيب طبيعة وتسلسل وشدة الأعراض عن طريق استجواب المريض حيث يستفسر عن طبيعة الأعراض وهل تزداد بالجهد وتخف بالراحة، بالإضافة للسؤال عن وجود سوابق مرضية عند المريض نفسه أو عند الأبوين كوجود سوابق لتشخيص اعتلال القلب الضخامي.

٢- تخطيط القلب الكهربائي "ECG"

يتم من خلاله تسجيل الإشارات الكهربائية والتنبيهات التي تسير عبر جدران عضلة القلب وتسبب تقلصه وانقباضه. بالتالي يمكن من خلال هذا الإجراء رصد التغيرات في التخطيط والتنبيه الكهربائي في جدران القلب والتي تنجم عن تسمك وزيادة ثخانة العضلات في جدران القلب.

٣- تصوير القلب بالأمواج فوق الصوتية "Echocardiography"

يعتبر هذا الاجراء من الاختبارات التشخيصية الهامة لحالة اعتلال عضلة القلب الضخامي. كما يتم من خلاله تصوير أجواف القلب وصماماته، تقييم وضع جدران القلب وحركتها وقياس سماكتها.

وتكون معايير تشخيص وجود اعتلال العضلة القلبية الضخامي عبر التصوير بالأمواج فوق الصوتية هو وجود تسمك في قطعة أو أكثر من الجدار العضلي للقلب يتجاوز 15 ملم أو وجود سماكة أكثر من 13 ملم ولكن بشرط وجود سوابق اعتلال عضلة قلبية ضخامي مؤكد عند أحد أقارب الدرجة الأولى.

يمكن إجراء التصوير بالأمواج فوق الصوتية بطريقتين إما عبر جدار الصدر أو عبر المري.

٤- القسطرة القلبية

يتم إجراء القسطرة القلبية التي تتضمن الوصول للقلب وحقن مادة ظليلة على الأشعة ضمن أجواف القلب والشرايين الاكليلية المغذية للقلب، وتصوير هذه المادة وجريانها وحركتها بشكل مباشر.

يمكن من خلال قسطرة القلب تقييم حجم جوف البطين الأيسر وجريان الدم عبره، إضافة لتحري وجود مشاكل في شرايين القلب أو صماماته.

٥- فحوص شعاعية

يتم إجراء تقييم وتصوير شعاعي في بعض الحالات لتأكيد وجود الضخامة والتسمك في جدران القلب، وتتضمن هذه الفحوصات الشعاعية ما يلي:

  • صور الصدر الشعاعية البسيطة (Chest X-ray)
  • التصوير الطبقي متعدد الشرائح (CT scan)
  • تصوير القلب بالرنين المغناطيسي (MRI)

علاج حالة اعتلال العضلة القلبية الضخامي

إن الحالات التي لا تسبب أعراض للمصاب والتي قد تكشف بالصدفة لا تحتاج أي علاج. بالتالي يقتصر الأمر في هذه الحالات على الالتزام باتباع نظام حياة صحي كممارسة التمارين الرياضية، والالتزام بحمية غذائية صحية، والحفاظ على الوزن.

أما بالنسبة للحالات العرضية من اعتلال عضلة القلب الضخامي فالخيارات العلاجية تكون قائمة على التخفيف من الأعراض والسيطرة عليها وتأخير تطورها لمراحل متقدمة، لأنه لا يوجد علاج شافي بشكل تام لحالة اعتلال العضلة القلبية الضخامي.

وتتضمن خيارات علاج اعتلال عضلة القلب الضخامي ما يلي:

١- العلاج الدوائي

هناك مجموعة متنوعة من الأدوية التي تكون مهمتها ضبط أعراض اعتلال القلب الضخامي والتخفيف منها وتتضمن هذه الأدوية:

  • حاصرات بيتا "Beta blockers" لضبط عدد ضربات القلب ومنع حدوث اضطراب في ضربات القلب.
  • الأدوية الحاصرة لقنوات الكالسيوم "Calcium channel blockers" للتخفيف من تقلص العضلة القلبية ومن سرعة ضربات القلب.
  • الأدوية المدرة للبول "Diuretics" تستعمل للتخفيف من حجم السوائل الزائد في الدم والجسم لتخفيف العبء عن القلب.
  • مثبطات الميوزين "Myosin inhibitors" ويعرف باسم "Mavacamten" وهو أحدث الأدوية التي تم إدخالها لعلاج اعتلال العضلة القلبية الضخامي الحاصر بشكل رئيسي، حيث يعمل على ضبط وتخفيف التقلص المفرط وفرط النشاط العضلي للقلب المتضخم وهذا الأمر يؤدي لإراحة عضلة القلب والأعراض بشكل عام.

٢- العلاج الجراحي والتداخلي

وتتضمن هذه العلاجات ما يلي:

أ- استئصال الحاجز الجزئي "Septal myectomy"

وهو إجراء جراحي يدرج ضمن عمليات القلب المفتوح، يتم من خلاله الوصول للقلب وللحاجز بين البطينين واجراء استئصال جزئي للسماكة والثخانة العضلية الحاصلة في الحاجز والتي تمنع تدفق الدم من البطين الأيسر وتسبب تفاقم الأعراض.

يعتبر هذا الاجراء تلطيفي ومساعد على تحسين الأعراض ويتم بالتوازي مع العلاج الدوائي.

ب- التخثير أو التصليب الكحولي للحاجز بين البطينين "Alcohol septal ablation"

يتم في هذه العملية اجراء تصغير وتقليل للسماكة العضلية في الحاجز البطيني الناجمة عن اعتلال عضلة القلب الضخامي من خلال حقن الإيثانول "Ethanol" وهو يصنف ضمن زمرة المركبات الكحولية.

يحقن الايثانول ضمن الأوعية والشرايين الموجودة ضمن العضلة القلبية والتي تغذي المناطق الثخينة والمتضخمة ضمن الحاجز بين البطينين.

ويعمل الايثانول على تصليب واغلاق هذه الشرايين وقطع التروية الدموية عن الخلايا العضلية السميكة، بالتالي يؤدي لموت وتنخر هذا النسيج العضلي وتقليل سماكة الحاجز.

ج- زرع الأجهزة المنظمة لضربات القلب

يتم اللجوء لزرع هذه الأجهزة الكهربائية المنظمة لضربات القلب في حالات اعتلال العضلة القلبية الضخامي المتقدمة والتي تترافق مع حدوث عدم انتظام في ضربات القلب كتسرع القلب "Tachycardia" مثلاً أو الحالات الأخطر مثل الرجفان البطيني "Ventricular Fibrillation".

يتم زرع هذه الأجهزة عادة تحت جلد الصدر وتوصل للقلب بمساعدة القسطرة القلبية، ومن أشهر هذه الأجهزة هو ناظم الخطى "Pacemaker" ومزيل الرجفان "Implantable Cardioverter Defibrillator".

د- زراعة القلب "Heart transplant"

في الحالات النهائية والمتقدمة من اعتلال العضلة القلبية الضخامي يمكن اللجوء لزراعة القلب كحل وعلاج جذري للتخلص من ضخامة العضلة القلبية.

مضاعفات اعتلال العضلة القلبية الضخامي

يمكن لبعض حالات أن تتطور فيها أعراض اعتلال العضلة القلبية الضخامي وتصل لمرحلة تسبب فيها اختلاطات ومضاعفات قلبية أخرى، وتتضمن أبرز الاختلاطات المحتملة:

  • قصور القلب (Heart Failure) 
  • الجلطة القلبية
  • أمراض الصمامات القلبية
  • اضطراب وعدم انتظام ضربات القلب
  • الموت المفاجئ

الملخص

ان حالة اعتلال العضلة القلبية الضخامي هي حالة وراثية قليلة الانتشار والشيوع، وهناك الكثير من الحالات تكون غير عرضية ولا تسبب أية مشاكل حياتية للمصاب، لكن بالمقابل فإن وجود الأعراض هو عامل خطر لأنها قد تتطور الحالة فيما بعد وتصبح مهددة لحياة المريض، لذلك يجب عدم اهمال أي عرض قلبي ومحاولة اجراء الكشف المبكر لتحقيق التشخيص والضبط الباكر للحالة.