الاحتباس البولي عند الأطفال وطرق العلاج

المراجعة الطبية - M.D
الكاتب - أخر تحديث 23 مايو 2023

لا يقتصر حدوث الأمراض والاضطرابات في الجهاز البولي على البالغين فقط بل أيضاً يكون الأطفال بمختلف أعمارهم معرضين لمجموعة من الاضطرابات والأمراض التي قد تصيب الجهاز البولي وتؤدي لخلل ومشاكل على مستوى وظيفة الجهاز البولي عندهم.

تشكل حالة الاحتباس البولي واحدة من الحالات والاضطرابات التي تحدث عند الأطفال، فما هي هذه الحالة؟ وما أسباب حدوثها وكيف يتم التعامل معها؟

ما هي حالة الاحتباس البولي عند الأطفال؟

تعرف حالة الاحتباس البولي (Urinary Retention) بأنها عدم القدرة على افراغ المثانة بشكل كامل أو جزئي.

أي يصبح الشخص المصاب غير قادر على التبول أبداً وإفراغ البول من المثانة على الرغم من احساسه بأنها ممتلئة وأنه بحاجة لإفراغها بأسرع وقت، أو يكون المصاب قادراً على التبول لكن بشكل ضعيف وبطيء غير كاف لإحداث إفراغ كلي لمحتوى المثانة من البول بل إحداثا افراغ جزئي فقط.

تبدأ حالة الاحتباس البولي إما بشكل مفاجئ وغير متوقع وتسمى عندها احتباس بولي حاد (Acute) حيث يتطور عند الطفل عدم قدرة على التبول دون سابق انذار، أو تحدث وتتطور على المدى الطويل وعندها تسمى احتباس بولي مزمن (chronic).

ومن الناحية السريرية يمكن تعريف احتباس البول بأنه تطور لعدم القدرة على التبول بشكل مفاجئ أو تدريجي عند الطفل بعمر معين مع وجود كمية من البول محتجزة ضمن المثانة تفوق قدرتها على الاستيعاب في هذا العمر، حيث تختلف قدرة المثانة على تخزين البول حسب العمر.

كيف تعمل المثانة؟

تشكل المثانة جزءاً من الجهاز البولي المكون من الكليتين، الحالبين، المثانة، والاحليل، وهي تتوضع أسفل البطن في منطقة الحوض، وتشبه في بنيتها الكيس أو البالون حيث تملك القدرة عل التمدد بسبب مرونة جدارها.

يتجمع فيها البول القادم من الكليتين عبر الحالبين والناجم عن عملية تصفية وتنقية الدم من الفضلات، ويخزن هذا البول في المثانة لحين افراغه من خلال عملية التبول، ويمكن تلخيص عمل الجهاز البولي والمثانة بالمراحل التالي:

  • تقوم الكليتين بتصفية الدم من السوائل الزائدة والفضلات وتنتج البول.
  • يمر البول من الكليتين في الأعلى باتجاه المثانة في الأسفل عبر قناتين خاصتين هما الحالبين، حالب في كل جهة.
  • تقوم المثانة بتخزين البول ضمن جوفها بشكل تدريجي حتى حد معين.
  • عندما تمتلئ المثانة بالبول تقوم بإرسال التنبيهات العصبية عبر الاعصاب إلى النخاع الشوكي والدماغ بضرورة افراغ المثانة.
  • تحدث عملية التبول عندها من خلال السماح للبول بالتدفق من المثانة نحو الخارج عبر الاحليل وذلك من خلال التحكم بعضلة موجودة عند مخرج المثانة ومنطقة اتصالها مع الاحليل تدعى بالعضلة المعصرة الخارجية للمثانة (Sphincter).

لا يملك الأطفال خلال السنوات الأولى من العمر القدرة على التحكم بالعضلة المعصرة للمثانة ولذلك يحدث تبول لا ارادي وعدم القدرة على حبس البول ولكن يتطور التحكم بهذه العضلة مع الوقت والتدريب.

أقسام الجهاز البولي والتسميات
صورة توضيحية لأقسام الجهاز البولي

الأعراض المرافقة للاحتباس البولي عند الأطفال

تختلف الأعراض بشكل نسبي بحسب نوع الاحتباس البولي الحاصل عند الطفل.

فالأعراض المرافقة لحالة الاحتباس البولي الحاد تختلف عن الأعراض التي تظهر في حالة الاحتباس البولي المزمن.

وتشمل أبرز الأعراض التي تحدث في حالة الاحتباس البولي الحاد ما يلي:

  • عدم القدرة على التبول وافراغ البول بشكل كامل.
  • وجود حاجة ملحة ومؤلمة للتبول.
  • ألم في منطقة أسفل البطن.
  • الإحساس بانتفاخ وتورم في أسفل البطن ناجم عن امتلاء المثانة بشكل مفرط.

أما بالنسبة للأعراض التي ترافق حالة احتباس البول المزمن فهي تتضمن:

  • تعدد مرات التبول بسبب عدم الافراغ الكامل للمثانة.
  • صعوبة في البدأ بعملية التبول.
  • دفق البول يكون ضعيف أو متقطع اثناء التبول.
  • الشعور بالحاجة للتبول بعد الانتهاء من التبول مباشرة.

أسباب حدوث الاحتباس البولي عند الأطفال

لا تشكل حالة احتباس البول عموماً وعند الأطفال خصوصاً مرضاً بحد ذاتها بل هي تكون عارض وتظاهر سريري لحالة مرضية أخرى مرافقة في الجهاز البولي.

وبالتالي فإن أي حالة مرضية أو اضطراب يؤثر على عمل المثانة في التخزين والافراغ يمكن أن يتظاهر بحالة الاحتباس البولي.

فعلى سبيل المثال عند وجود إعاقة ميكانيكية تمنع المثانة من الافراغ كانسداد المثانة بالحصيات يحدث احتباس بولي عند المصاب أو في حال وجود مشكلة عصبية تسبب خللاً في الإحساس بامتلاء المثانة والحاجة للتبول يحدث احتباس بولي وهكذا.

وتشمل اشيع الحالات المرضية واضطرابات الجهاز البولي التي تترافق وتتظاهر بحدوث احتباس بولي عند الأطفال ما يلي:

١- الانتان البولي (Infection)

تعد إصابة الجهاز البولي بأي قسم من اقسامه بعدوى أو بإنتان جرثومي واحداً من الأسباب الشائعة التي قد تترافق باحتباس بولي عند الأطفال.

والسبب في ذلك هو الأعراض التي تترافق مع الانتان كالألم المرافق لعملية التبول والوذمة التي قد تحدث في المجاري البولية.

ومن أشهر هذه الانتانات هو التهاب الحويضة والكلية (Pyelonephritis) والتهاب المثانة الجرثومي (Cystitis).

وبالإضافة للإنتانات الجرثومية فقد سُجلت حالات لحصول احتباس بولي حتى عند إصابة الطفل ببعض أنواع العدوى الفيروسية.

٢- الاعتلال العصبي العضلي (Neuromuscular Dysfunction)

تتم عملية التحكم بالمثانة والحاجة للتبول وإفراغ المثانة عن طريق عملية منظمة ومنسقة بين الأعصاب والعضلات.

فعندما يتم ملئ المثانة تنقل الأعصاب التنبيه إلى النخاع الشوكي والدماغ بضرورة إفراغ المثانة، وعندها تصدر إشارة من الدماغ عبر الأعصاب لعضلات المثانة بالإفراغ.

إن حدوث خلل أو اضطراب في عملية التنسيق والتنظيم بين عمل الأعصاب والعضلات سيؤثر على عمل المثانة وسيسبب خللاً في عملية التبول.

هذا الخلل والاضطراب في التنسيق بين عمل الأعصاب والعضلات يسمى بالاعتلال العصبي العضلي.

 تعتبر الإصابة بمرض عصبي معين يؤثر على نقل التنبيهات العصبية أو يخرب الاعصاب.

أو الإصابة برض قوي على الدماغ أو النخاع الشوكي من العوامل التي تؤدي لحدوث الاضطرابات العصبية العضلية على مستوى المثانة.

ومن الأمثلة على الأمراض التي تترافق مع اعتلال عصبي عضلي واحتباس بولي عند الأطفال:

  • التهاب الدماغ المنتشر الحاد (ADEM)
  • متلازمة غيلان باريه (Guillain-Barre Syndrome)
  • التاب النخاع المستعرض (Transvers Myelitis)
  • السنسنة المشقوقة (Spina Bifida)

٣- الآفات الولادية السادة (Congenital Obstructive Lesions)

يكون سبب الاحتباس البولي عند الأطفال في بعض الأحيان وجود إعاقة وانسداد في الطريق البولي الذي يفرغ البول من المثانة وهو الاحليل.

حيث يمكن أن تتواجد بعض أنواع التشوهات والانسدادات في الاحليل منذ ولادة الطفل وتسبب له مشاكل لاحقة في افراغ البول.

ومن أشهر هذه التشوهات هي حالة تعرف بدسامات الاحليل الخلفية (Posterior urethral valves) حيث تتواجد دسامات تسد مجرى الاحليل بشكل كلي أو جزئي وتمنع افراغ البول.

٤- الإمساك (Constipation)

الإمساك هي الحالة التي يحدث فيها صعوبة في اخراج الفضلات والبراز عبر المستقيم والشرج لأسباب عديد.

حيث يحدث فيه تجمع وتراكم للفضلات في منطقة المستقيم التي تقع تشريحياً خلف المثانة.

ومع استمرار الإمساك وتوسع المستقيم بشكل كبير يضغط المستقيم على المثانة مسبباً مشاكل في إفراغها وحدوث للاحتباس البولي.

٥- بعض أنواع الأدوية

يمكن لبعض الأدوية التي قد يتناولها الطفل أن تؤثر على عملية افراغ المثانة وتسبب احتباس بولي عند الطفل.

من هذه الأدوية أدوية الزكام، مضادات الهيستامين وغيرها.

٦- الكتل الحوضية (Pelvic masses)

وفي دراسة تم اجراؤها في المانيا بين عامي 2005-2019 عن شيوع وأسباب الاحتباس البولي الحاد عند الأطفال تبين أن نسبة إصابة الذكور أعلى من نسبة إصابة الاناث بالاحتباس البولي.

وكان السبب الأِشيع لحدوث الاحتباس هو:

  • التهاب القلفة والحشفة (balanoposthitis) 15.5%
  • الامساك 15.5%
  • الإصابات الرضية في 11.4% من الحالات
  • انتان المجاري البولية 7.5%

٧- الفتق الاربي المختنق (Incarcerated Inguinal hernia)

الفتق هي حالة يحدث فيها خروج وانبثاق لجزء من مكونات البطن كالشحم أو الأمعاء عبر جدار البطن.

وذلك نتيجة لوجود ضعف وخلل في الطبقات النسيجية التي تشكل جدار البطن وتحمي الاحشاء.

هذا الضعف يجعل النسيج داخل البطن يندفع للخارج ويشكل انتفاخ أو كيس واضح في جدار البطن يسمى بكيس الفتق.

في حالة الفتق الإربي (Inguinal hernia) يحدث الخروج والاندفاع لجزء من نسيج البطن عبر القناة الإربية المتوضعة في أسفل البطن والتي يمر عبرها مجموعة من الأوعية والأعصاب التي  تغذي وتعصب الأعضاء الجنسية والاجزاء السفلية من الجهاز البولي كالمثانة وغيرها.

يمكن للفتق الإربي أن يحدث في أي عمر، وعند إصابة الأطفال به فإن خروج جزء من مكونات البطن عبر القناة الإربية وبقائها فيه دون علاج، سيؤدي للضغط والتأثير على الاشارات العصبية والتروية الدموية للمثانة والأعضاء التناسلية.

ويمكن أن تظهر أعراضه باضطراب في عادات التبول والاحساس بالمثانة وقد يسبب حدوث الاحتباس البولي عند الأطفال.

طرق تشخيص الاحتباس البولي عند الأطفال

يحتاج تشخيص الاحتباس البولي وسببه لمجموعة من الإجراءات والاختبارات التي يقوم بها طبيب متخصص في الأمراض البولية، والتي تتضمن ما يلي:

١- أخذ القصة المرضية والفحص السريري

  • خلال الفحص يتم السؤال عن الأعراض وبدايتها وما هي مرافقاتها
  • الاستفسار عن وجود سوابق مرضية معينة أو تناول أدوية معنية
  • غيرها من الأسئلة التي توضح الحالة المرضية والتاريخ المرضي للطفل

بعدها يقوم الطبيب بإجراء فحص سريري لمنطقة البطن والمثانة والأعضاء التناسلية لتحري وجود أي علامة توجه للتشخيص كالمثانة المنتفخة وغيرها.

٢- اجراء تحليل للبول مع زرع جرثومي للبول

يجرى هذا الفحص بشكل روتيني لكل المشاكل البولية لأنه يعطينا فكرة عن عمل الكليتين وعن وضع الجهاز البولي بشكل عام، كما ويتم فيه ارسال عينة من البول للتحليل في المخبر واجراء اختبار وفحص للمواد الكيميائية والخلايا الموجودة ضمن البول.

حيث يمكن من خلال فحص البول تحديد وجود انتان بولي، وجود حصيات، التوجه لمرض السكري، وحتى وجود خلل في عمل الكليتين.

في حال تم التوجه لوجود انتان جرثومي في البول يتم اجراء فحص يدعى بالزرع الجرثومي للبول.

حيث يتم وضع سائل البول في وسط ملائم لنمو الجراثيم ومراقبته لعدة أيام لتحري تكاثر الجراثيم وتحديد نوعها ووضع الصاد الحيوي المناسب لها.

٣- اجراء تصوير بالأمواج فوق الصوتية للجهاز البولي

يتم استعمال جهاز التصوير بالأمواج فوق الصوتية (Ultrasound) لتصوير مكونات الجهاز البولي.

يث يعطي صورة واضحة للكليلتين ويقيم الحالة العامة لهما من حيث الشكل والمحتويات الشاذة كوجود حصيات، وأيضاً يقوم بتصوير المثانة وتقييمها من الناحية الشكلية ومن ناحية السعة وامتلائها بالبول وتقييم افراغها بعد التبول إذا كان كاملاً أم غير كامل.

ويفيد التصوير بالأمواج فوق الصوتية في تحديد وجود التشوهات التشريحية في الجهاز البولي في حال وجودها والتي قد تسبب احتباس بولي عند الأطفال.

٤- اجراء بعض التحاليل الدموية

تساهم الفحوصات الدموية في إعطاء صورة واضحة عن وضع الجسم وعمل اعضاءه بشكل عام، وفي حالة احتباس البول عند الأطفال تفيد في تقييم وظيفة الكلية وقدرتها على تصفية الدم وأيضاً تساهم في تحديد وجود انتان بولي قد يكون السبب في الاحتباس البولي.

٥- بعض الإجراءات والاختبارات الشعاعية التي تقيم افراغ المثانة

هناك مجموعة من الاختبارات التي قد يلجأ لها الطبيب والتي تتضمن مراقبة عملية امتلاء المثانة ومراقبة حركية البول وتدفقه من المثانة نحو الخارج.وتقيم افراغ البول من المثانة وتحديد وجود عوائق أو اضطرابات في آلية افراغ البول والتي تسبب الاحتباس البولي عند الطفل.

تتضمن هذه الاختبارات بشكل عام حقن سوائل تحوي مواد ظليلة ضمن المثانة والطرق البولية ومن ثم مراقبتها عبر الأشعة السينية وتصوير حركة هذه السوائل ضمن المثانة وعبر الطرق البولية، وأشيع هذه الاختبارات هي:

  • تصوير المثانة والاحليل الإفراغي (Voiding cystourethrogram).
  • تصوير المثانة الظليل (Radionuclide cystogram).

الخيارات العلاجية

تتضمن الخطة العلاجية المتبعة في حالة احتباس البول عند الأطفال البحث عن السبب والعامل المحرض للاحتباس وعلاجه وإلا فإن الحالة ستتحول لحالة مزمنة مع الوقت.

وبشكل أساسي تكون الخطوة الأولى قبل البدأ بالبحث عن الاضطراب والعامل المسبب للاحتباس البولي هي افراغ المثانة من البول وخصوصاً في حالات الاحتباس البولي الحاد التي تبدأ بدون سابق انذار، وذلك لإراحة الطفل وتخفيف الألم والضغط عن المثانة.

تتم عملية افراغ المثانة عن طريق ادخال قثطرة بولية وهي عبارة عن أنبوب صغير القطر ومجوف يتم إدخاله عبر فوهة الاحليل وصولاً لجوف المثانة والسماح للبول بالتدفق للخارج.

هذه القثطرة قد توضع لمرة واحدة كحل اسعافي عند الشك بأن حالة احتباس البول مؤقتة ولن تتكرر ولكن يمكن أن تترك لفترة أطول عند الشك بوجود سبب للاحتباس البولي بحاجة لاستقصاء ودراسة.

بعد افراغ المثانة واراحة الطفل من الأعراض يتم البدء بالإجراءات اللازمة لتحديد نوع الخلل المسبب للاحتباس وعلاجه، كعلاج الانتان البولي في حال وجوده وإصلاح التشوهات في الجهاز البولي إن وجدت وهكذا.

ختاماً يجدر الإشارة بأنه وعلى الرغم من كون حالة الاحتباس البولي ليست شائعة بكثرة عند الأطفال إلا أنها حالة مهمة يجب عدم اهمالها والانتباه لها باكراً لأن ذلك يشكل حجر الأساس في علاجها وتجنب المضاعفات الناجمة عنها.