التهاب الأقنية الصفراوية (تشمع المرارة): الأعراض والعلاج

الكاتب - أخر تحديث 5 سبتمبر 2023

تعتبر الأمراض التي تؤثر على الجهاز الهضمي والكبد من الأمراض الشائعة التي يعاني منها الكثير من الأشخاص حول العالم، ومن بين هذه الأمراض التهاب الأقنية الصفراوية والمعروف سابقاً باسم تشمع المرارة.

ما هو التهاب الاقنية الصفراوية؟

يتمثل الدور الرئيسي للكبد في تفكيك العناصر الغذائية الأساسية (دهون، كربوهيدرات، بروتينات) لتسهيل عملية الهضم، ويتم ذلك من خلال إنتاج المادة الصفراء في الكبد والتي تنتقل عبر الأقنية الصفراوية إلى المرارة للتخزين أو إلى الأمعاء الدقيقة للاستخدام في الهضم.

ويعتبر التهاب الأقنية الصفراوية -تشمع المرارة- "Primary biliary cirrhosis" مرضاً مناعياً ذاتياً، حيث تهاجم خلايا المناعة الأقنية الصفراوية، مما يؤدي إلى تضخم والتهاب فيها بالتالي تدميرها.

ويتسبب هذا التهاب في تطوير حالة التهابية خطيرة والتي تؤدي إلى:

  • تهاجم خلايا الجسم المناعية الأقنية وتدمرها، وتؤدي هذه العملية في النهاية إلى حدوث تندب في المكان المتضرر
  • تترافق هذه الحالة بركود في المادة الصفراء ضمن الكبد، والتي تمارس تأثيرها الضار على خلايا الكبد
  • في نهاية المطاف، يمكن أن يصل المريض لمرحلة تشمع الكبد الصفراوي

إن تحديد معدل الانتشار الدقيق لهذه الحالة يلزمه المزيد من الاختبارات التي تضم تحليل وظائف الكبد والشحوم، إلا أن التقديرات تشير إلى:

  • انتشار التهاب الأقنية الصفراوية يتراوح بين 0.7 و 49 حالة لكل مليون نسمة سنوياً
  • معظم الإصابات تكون في العقد الخامس إلى السابع، ونادراً ما تكون هناك إصابات لدى الأطفال (1)
  • هناك ميل واضح لإصابة الإناث، حيث يوجد إصابة واحدة للذكور بمقابل 8 إصابات لدى الإناث (2)
  • تصيب هذه الحالة جميع الفئات العرقية إلا أن الأرقام الأعلى انتشاراً موجودة ضمن قارة أوروبا (3)
  • تتراوح نسبة الوفيات المُشاهدة نتيجة التهاب الأقنية الصفراوية (تشمع المرارة) بين 0.6 - 2% من الوفيات في جميع أنحاء العالم.

أعراض التهاب الأقنية الصفراوية

هنالك ما يقارب نصف عدد مرضى التهاب الأقنية الصفراوية (تشمع المرارة) لا يظهرون أي علامات واضحة للمرض، في حين يظهر النصف الآخر أعراضاً متفاوتة ومختلفة في درجة الشدة والتكرار والمدة.

وتضم الأعراض نوعان:

١- الأعراض العامة

نقصد بالأعراض العامة، التي لا تكون موجهة لإصابة عضو ما، وتضم:

  • تعب عام
  • غثيان وإقياء
  • آلام بطنية
  • كتل دهنية تحت الجلد
  • حكة
  • براز دهني ذو رائحة كريهة
  • نقص الشهية
  • فقدان الوزن

٢- الأعراض الكبدية

وتظهر هذه الأعراض عندما يبدأ الكبد بالتدهور وتضم:

  • اليرقان، الذي يتمثل باصفرار الجلد والأغشية المخاطية والعين (الصلبة)
  • تراكم السوائل في البطن (حَبَن) والساقين (وذمة ساقين)
  • احمرار راحتي اليد
  • ضعف جنسي عند الرجال بالإضافة لضمور الخصيتين وضخامة الثدي
  • سهولة حدوث كدمات
  • التخليط ومشاكل في الذهن
  • يصبح لون البراز شاحباً

أسباب التهاب الأقنية الصفراوية (تشمع المرارة)

يعتبر التهاب الأقنية الصفراوية من أمراض المناعة الذاتية، حيث يعتبر الجسم عن طريق الخطأ أن خلايا هذه الأقنية أجساماً غريبة وضارة ويرسل خلايا الدم البيضاء ليحاربها ويتخلص منها.

إن سبب الرئيسي لحدوث هذه الحالة غير معروف بالضبط، ولكن هناك بعض الأدلة التي ترجِّح أن للوراثة دور في حدوثها، فقد لوحظ أن المرض ينتشر بشكل أعلى (بمعدل 100 ضعف) لدى الأشخاص الذين لديهم أقارب من الدرجة الأولى من المصابين مما يشير بقوة إلى الاستعداد الوراثي.

وعند وجود الاستعداد الوراثي بالإضافة للعوامل البيئية والخارجية المتورطة بحدوث التهاب الأقنية الصفراوية تزداد نسبة احتمال الإصابة.

ومن العوامل الخارجية نذكر:

  • العدوى الجرثومية، بشكل خاص عدوى المسالك البولية (UTI)
  • استخدام الهرمونات الجنسية البديلة كالأستروجين
  • التدخين
  • كما يوجد بعض المواد الخطرة والمؤثرة بحدوث التهاب الأقنية الصفراوية في بعض أنواع طلاء الأظافر ومستحضرات التجميل مثل أحمر الشفاه.
  • يوجد بعض المواد المؤثرة بحدوث هذه الحالة في بعض أنواع العلكة أيضا

المضاعفات

إن التهاب الأقنية الصفراوية يمكن أن يتسبب في مضاعفات خطيرة إذا لم يتم التعرف عليه وعلاجه في وقت مبكر، وتضم هذه المضاعفات:

١- ارتفاع توتر "وريد الباب"

"وريد الباب" هو الوريد المسؤول عن نقل الدم من الجهاز الهضمي باتجاه الكبد، وفي هذه الحالة يقاوم الوريد ضغطاً كبيراً، مما يؤدي لارتفاع التوتر فيه، بالتالي يؤدي إلى:

  • تراكم السوائل في أنحاء الجسم
  • ظهور الأوردة المنتجة المتضخمة على الجلد
  • حدوث دوالي المريء الذي يمكن أن يتسبب بحدوث نزف خطير لذلك يعد من المضاعفات الخطيرة

٢- سوء امتصاص الدهون

يعتبر من المضاعفات النادرة، والتي تظهر في المراحل الأخيرة والمتطورة من الالتهاب، وتؤدي إلى:

  • إسهال دهني
  • فقدان الوزن
  • ترسبات دهنية تحت الجلد، بشكل خاص فوق المفاصل وتحت العينين
  • ارتفاع قيم كوليسترول الدم، وهذا بالتالي يحمل خطراً على الجهاز القلبي الدوراني

٣- هشاشة العظام

إن هشاشة العظام أكثر مضاعفات التهاب الأقنية الصفراوية شيوعاً، ويمكن السيطرة عليها وعلاجها عادةً من خلال الأدوية.

٤- تشمع الكبد

إن حدوث تشمع الكبد أمر لا مفر منه أمام مرضى التهاب الأقنية الصفراوية، وخاصةً في المراحل الأخيرة غير المعالجة والمتطورة من المرض.

٥- القصور الكبدي

يعتبر القصور الكبدي آخر مراحل المرض، بحيث يصبح الكبد عاجزاً عن أداء مهامه.

التشخيص

يشكل تشخيص التهاب الأقنية الصفراوية تحدياً أمام معظم الأطباء، وذلك لكون معظم أعراضه مبهمة وعامة، لذلك فإن معظم الحالات تشخص بعد أن يصل المريض لمرحلة المضاعفات. كما يعتمد التشخيص عموماً على عدة خطوات تتضمن:

١- القصة المرضية والفحص السريري

يقوم الطبيب بدايةً بأخذ القصة المرضية من المريض، ومن ثم اسؤاله عن الشكوى الأساسية، والتي تضم الاستفسار عن:

  • زمن بدء الأعراض والمدة التي تستمر بها
  • شدة الأعراض المُشاهدة
  • كمية الكحول التي يشربها المريض يومياً في حال كان المريض كحولي
  • وجود مشاكل كبدية سابقة
  • وجود إصابة مشابهة لأحد أفراد العائلة
  • الأدوية الذي تناولها المريض

٢- الفحوص الإضافية

يلجأ الطبيب لمجموعة من الاختبارات الإضافية لتأكيد التشخيص وتحديد العلاج المناسب والتي تضم:

آ- تحليل الدم

يطلب الطبيب بدايةً تعداد كريات الدم الكامل (CBC)، بالإضافة أيضا لتحليل وظائف الكبد المتمثل بما يلي:

  • ناقلة أمين الألانين (ALT)
  • ناقلة أمين الأسبارتات (AST)
  • الفوسفاتاز القلوي (ALP)
  • الألبومين والبروتين الكلي
  • البيليروبين
  • زمن البروثرومبين (PT)

بعد قراءة وظائف الكبد بشكل مفصَّل، قد يطلب الطبيب المزيد من التحاليل، التي تتضمن:

  • الغلوبولين المناعي M في الدم
  • الأجسام المضادة للميتوكوندريا (AMA)، التي تكون إيجابية لدى 95% من مرضى التهاب الأقنية الصفراوية
ب- الفحوص التصويرية
  • التصوير بالأمواج فوق الصوتية
  • الرنين المغناطيسي (MRI)
  • تصوير البنكرياس والأقنية الصفراوية بالرنين المغناطيسي (MRCP)
ج- خزعة الكبد

يتم اجراء خزعة الكبد في حال ظلت الحالة غير واضحة، حيث يأخذ الطبيب عينة من أنسجة الكبد ومن ثم يتم دراستها تحت المجهر.

علاج التهاب الأقنية الصفراوية

لا يوجد إلى يومنا هذا علاج لالتهاب الأقنية الصفراوية إلا أنه، يوجد خيارات علاجية تعتمد على تخفيف شدة الأعراض كما تعمل على الوقاية قدر الإمكان من المضاعفات.

ويشمل التدبير العلاجي:

  • الأدوية: يوجد خيارات دوائية تعتمد على تحسين عمل الكبد وتقليل التندب والالتهاب بالإضافة أيضا لتحريك المادة الصفراء الراكدة، ويستخدم عادةً حمض يورسودي كوليك (Ursodeoxycholic Acid) الذي يعرف باسم أرسوديول (ursodiol).
  • زرع الكبد: يعد خياراً أخيراً أمام مرضى التهاب الأقنية الصفراوية، حيث يتم إزالة الكبد المصاب جراحياً ويعوض عنه بكبد سليم ولكن وحتى مع هذه الجراحة يمكن أن يعود الالتهاب والتندب للظهور على الكبد الجديد.

التعايش مع التهاب الأقنية الصفراوية

يمكن التعايش مع حالة التهاب الأقنية الصفراوية من خلال اتباع بعض النصائح الصحية التي تتضمن:

  • الاعتماد على الطعام الصحي بشكل كبير
  • اعتماد نظام غذائي قليل الصوديوم والدسم
  • التقليل من استهلاك الكافيين
  • التوقف أو التقليل من شرب الكحول
  • الابتعاد عن التدخين
  • ممارسة الرياضة بشكل منتظم
  • الالتزام بالأدوية الموصوفة من قِبل الطبيب