العدو الخفي لصحة القلب: كيف تتعامل مع الإرهاق العاطفي؟

الكاتب - أخر تحديث 11 مارس 2024

يعد الإرهاق العاطفي من أكثر المشكلات شيوعاً في العصر الحالي حيث تواجه شرائح واسعة من المجتمع ضغوطات نفسية ناتجة عن مشكلات جمّة في مختلف جوانب الحياة. ويعد القلب من أهم الأعضاء التي تتأثر بحالات التوتر والإرهاق العاطفي، فما هي كيفية التأثير وكيف يمكننا التعامل مع هذا النوع من الإرهاق؟

ما هو الإرهاق العاطفي؟

يعد الإرهاق العاطفي "Emotional Exhaustion" شعور بالقلق أو الضغط النفسي نتيجة حدوث توتر يؤثّر في الصحة الجسدية والنفسية.

ويعرف التوتر (Stress) بأنه الاستجابة التي يقوم بها الجسم تجاه مؤثر خارجي مثل التحديات في الحياة وبعض صعوبات العمل المهني والمواقف العاطفية إلى جانب المواقف المحرجة.

من الناحية الإيجابية يعد القلق والتوتر استجابة طبيعية للجسم لمواجهة التحديات حيث يحفّزان الشخص على إنجاز المهام بكفاءة وفعالية. كما أنهما يساعدان في التصرف بشكل سليم في المواقف الخطرة وقد ينقذان حياة الشخص في بعض الأحيان.

لكن على الجانب السلبي يؤثر استمرار الإجهاد العاطفي والتوتر في الصحة الجسدية والنفسية حتى تصبح أعضاء الجسم في حالة تأهب وترقب مما يزيد من الشعور بالتعب والإرهاق.

أنواع التوتر

يوجد نوعان من التوتر هما يلي:

1- التوتر الحاد

يعرف التوتر الحاد "Acute stress" بأنه استجابة نفسية وجسدية طبيعية للضغوطات المؤقتة مثل أداء الامتحانات وإجراء المقابلات الشخصية وحضور الأحداث الاجتماعية المهمة.

ويسبب شعوراً مؤقتاً بالقلق وزيادة في ضربات القلب لكن تزول هذه الأعراض بمجرد زوال السبب. لذلك لا  ينتج عن هذا النوع من التوتر ضرراً طويل الأمد.

2- التوتر المزمن

ينتج التوتر المزمن "Chronic stress" عن استمرار العوامل المسببة للقلق لفترات طويلة بما يجعل الجسم في حالة تأهب لمواجهة الخطر. ويتسبب على المدى الطويل في حدوث أضرار وتأثيرات سلبية في الجسم وأداء وظائفه الحيوية.

بالتالي يسبب القلق والتوتر المزمن أضراراً أكثر وضوحاً على القلب والجسم مقارنة بالقلق الحاد.

تأثير الإرهاق العاطفي في صحة القلب

عند التعرض لضغوط عاطفية يفسرها الجهاز العصبي المركزي على أنها تهديد أو تحدٍ هائل. لذلك تحدث مجموعة من التغيّرات الفيزيولوجية والنفسية في الجسم للتكيف مع هذا الخطر المرتبط بالتوتر والقلق.

وتؤدي هذه التغييرات على المدى الطويل إلى أعراض ضارة تهدد الصحة العامة. حيث تسبب حالة التأهب الدائمة لمواجهة هذا التهديد إرهاقاً نفسياً وجسدياً مما ينتج عنه تأثيرات سلبية في أعضاء الجسم المختلفة.

وتشمل أبرز الأعراض المصاحبة لحالة التوتر والإرهاق العاطفي ما يلي:

1- التغيرات الهرمونية

تلعب الهرمونات دوراً محورياً في كل العمليات الحيوية في الجسم وأداء وظائفه. ويسبب التوتر والإرهاق العاطفي تغيرات على مستوى هرمونين أساسيين هما ما يلي:

أولاً: هرمون الكورتيزول

تنتج الغدة الكظرية "Adrenal gland" الموجودة فوق الكلى هرمون الكورتيزول "Cortisol" المعروف باسم هرمون القلق. وينظم هذا الهرمون استجابة الجسم للقلق والتوتر كما يلعب دوراً في العمليات الحيوية الأخرى مثل ضبط عملية الاستقلاب ومستويات ضغط الدم ومعدلات السكر.

وعند التعرض المستمر للإجهاد العاطفي والتوتر لفترات طويلة يزداد إفراز هرمون الكورتيزول في الجسم. ويسبب هذا الارتفاع زيادة في حرق الطاقة وفرط الحذر والتنبه وارتفاع ضغط الدم وعدم توازن مستويات السكر بما يؤثر سلباً في صحة القلب.

ثانياً: هرمونات الإيبينفرين والنورايبينفرين

تعد هرمونات الإيبنيفرين أو الأدرينالين "Epinephrine" والنورايبنفرين أو النورأدرينالين "Norepinephrine" مواد كيميائية تنتج في الجسم وتحديداً في القسم الداخلي من الغدة الكظرية. وتلعب دوراً مزدوجاً كهرمونات وناقلات عصبية "Neurotransmitters" للإشارات والتنبيهات بين مختلف الخلايا.

كما يلعب الأدرينالين والنورأدرينالين دوراً رئيسياً في تحضير الجسم لمواجهة المواقف الخطيرة. ويعرف هذا الدور باسم استجابة القتال أو الهرب "Fight or flight" حيث يضبط هذان الهرمونان وظائف الجسم استعداداً لمواجهة التحديات من خلال ما يلي:

  • زيادة معدل ضربات القلب
  • رفع ضغط الدم
  • زيادة عدد مرات التنفس
  • زيادة تدفق الدم للعضلات
  • زيادة حرق الطاقة واستهلاكها

وتكون هذه الاستجابة في الحالة الطبيعية مؤقتة وتزول بزوال السبب. لكن في حالات التوتر المزمن تعكس هذه التغيرات ضرراً على الجسم كله وعلى القلب وتؤثر سلباً في أداء وظائفه.

2- فرط التنبيه والاستجابة في الجهاز العصبي

يتأثر الجهاز العصبي بالعوامل النفسية والعاطفية كما ينظم استجابة الجسم لهذه العوامل. ويعرف الجزء المسؤول عن هذه الاستجابة في الدماغ باسم الجهاز الحوفي "Limbic system"

ويضم الجهاز الحوفي اللوزة المخية "Amygdala"وهي موجودة في كل نصف كرة مخية وتنظم استجابة الجسم للقلق والتوتر.

وتبقى اللوزة المخية في حالات التوتر والإجهاد العاطفي المزمن في نشاط مستمر بما يسبب ما يلي:

  • زيادة نشاط وفعالية نقي العظام في إنتاج كرات الدم البيضاء: حيث تعد المسؤولة عن الاستجابة المناعية والالتهابية في الجسم بما يتسبب في حدوث التهابات في الجسم وفي جدران الشرايين المغذية للقلب
  • زيادة خطر الإصابة بضيق الشرايين المغذية للقلب والذبحة الصدرية والجلطة القلبية

وفي هذا السياق ربطت دراسة طبية بين فرط نشاط اللوزة المخية وإنتاج نقي العظام لكرات الدم البيضاء، وزيادة خطر الإصابة بالأمراض القلبية.

3- زيادة خطر الإصابة بأمراض القلب

يسهم التوتر المزمن والإرهاق العاطفي في زيادة خطر الإصابة ببعض الأمراض المتعلقة بالقلب مثل ما يلي:

أولاً: ارتفاع ضغط الدم

أظهرت دراسة طبية حديثة أن التوتر والقلق يرتبطان بزيادة خطر الإصابة بارتفاع ضغط الدم. حيث يؤدي إفراز هرمونات التوتر مثل الكورتيزول والأدرينالين إلى تضييق الأوعية الدموية وزيادة معدل ضربات القلب مما يرفع من ضغط الدم ويزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب.

ثانياً: مرض السكري

يعد التعرض المتكرر للإرهاق العاطفي والقلق من عوامل الخطر الرئيسية للإصابة بمرض السكري لأنّهما يؤثّران في حساسية الخلايا لهرمون الأنسولين ممّا يؤدّي إلى حدوث خلل في مستويات السكر في الدم.

من ناحية أخرى يسبّب مرض السكري ضرراً في جدران الأوعية الدموية بما في ذلك الشرايين التي تغذّي القلب ممّا يؤدّي إلى زيادة خطر الإصابة بأمراض القلب لدى مرضى السكري.

ثالثاً: تغيرات في نمط الحياة

يؤثر القلق والتوتر على نمط الحياة والعادات اليومية للأشخاص ويدفعهم إلى اتباع ممارسات غير صحية لمحاولة التخلص من هذا التوتر. وتشمل أبرز العادات السلوكية الضارة المصاحبة للإرهاق العاطفي ما يلي:

  • الميل للكسل
  • عدم ممارسة الرياضة وقلة النشاط البدني
  • تغيرات في عادات الطعام والميل للأكل بشراهة
  • التدخين المفرط
  • زيادة شرب الكحول

وتعد هذه العادات السلبية السابقة عوامل تزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب.

نصائح

على الرغم من أن الإرهاق العاطفي يمثل تحدياً كبيراً يواجهه كثيرون في ظل ضغوط الحياة اليومية إلا أنه يمكننا السيطرة عليه وتحجيم تأثيره في صحة القلب فضلاً عن الصحة الجسدية والنفسية.

وتشمل أبرز النصائح للتعامل مع الإرهاق العاطفي والتوتر ما يلي:

1- ممارسة التمارين الرياضية

تسهم ممارسة التدريبات الرياضية بمعدل 30 دقيقة يومياً في التخفيف من حدة القلق والتوتر من جهة وتعزيز أداء القلب من جهة أخرى.

2- تجربة تقنيات الاسترخاء

حيث توجد مجموعة من الممارسات التي تساعد على الاسترخاء، وتخفيف حدة التوتر، من خلال تنظيم معدلات ضربات القلب والتنفس وإرخاء العضلات. وتشمل أبرز هذه التقنيات ما يلي:

  • التأمل (Meditation)
  • ممارسة رياضة اليوغا
  • تمارين التنفس العميق
  • جلسات المساج والعلاج الطبيعي لإرخاء العضلات

3- ممارسة الهوايات الشخصية والأنشطة الممتعة

يمتلك كل شخص منا هوايات ونشاطات تشعره بالسعادة والاسترخاء وتسبب له راحة ذهنية من القلق والتوتر مثل الاستماع للموسيقى والرسم ومشاهدة الأفلام.

4- الحصول على قدر كاف من النوم

يلعب النوم دوراً أساسياً في راحة الجسم واستعادة التوازن الجسدي والنفسي كما يسهم في تخفيف آثار القلق والتوتر. ويعد الحصول على فترة نوم تتراوح ما بين 7 إلى 9 ساعات كافية للتخلص من أية ضغوطات أو آثار نفسية سيئة.

5- التواصل مع الآخرين

يسهم التواصل مع العائلة والأصدقاء في التخفيف من القلق والتوتر. لذلك يفضل زيادة الأنشطة الاجتماعية مع الأشخاص المقربين للحصول على الدعم النفسي والراحة.