العلاقة بين العقم والاضطرابات النفسية

الكاتب - أخر تحديث 13 سبتمبر 2023

يؤثر العقم على جميع جوانب حياة الناس، وقد يتسبب في العديد من الاضطرابات النفسية والعاطفية أو حتى العواقب الاجتماعية بما في ذلك الإحباط والاكتئاب والقلق واليأس والشعور بالذنب.

فالعقم بالنسبة للبعض هو أزمة حياة حقيقية مع مجموعة واسعة من المشاكل، ولا يمكن إنكار أن الأبوة والأمومة هي إحدى التحولات الرئيسية في حياة البالغين التي ينتظرها معظم الرجال والنساء في فترة ما من عمرهم.

تعريف العقم ومعدل انتشاره

العقم هو مرض يصيب الجهاز التناسلي الذكري أو الأنثوي، ويتم تعريفه بالفشل في تحقيق الحمل بعد 12 شهراً أو أكثر من الجماع المنتظم غير المحمي.

ويبلغ عدد الأزواج الذين يعانون العقم حوالي 48 مليون حول العالم، حيث يؤثر على ما يقارب من 10-12% من الأزواج في جميع أنحاء العالم، مع معدلات أعلى لحدوثه في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل.

أسباب العقم

يحدث العقم عند الذكور بسبب مشاكل في الجهاز التناسلي الذكري. كمشاكل إخراج السائل المنوي، أو غياب أو انخفاض مستويات الحيوانات المنوية أو الشكل أو الحركة غير الطبيعيين للحيوانات المنوية.

أما العقم عند الإناث، فيحدث بسبب مجموعة من التشوهات في المبيضين والرحم وقناتي "فالوب" وعدم انتظام عملية الإباضة وخلل عمل جهاز الغدد الصماء.

وفي كثير من الأحيان يكون من المستحيل تحديد السبب الدقيق للعقم، فيتم تعريفه على أنه عقم مجهول السبب.

العلاقة بين العقم والاضطرابات النفسية

تم وصف العلاقة بين الاضطرابات النفسية وعلم وظائف الأعضاء البشرية وتسليط الضوء عليها عام 1955، حيث ذكر العلماء حينها أن عامل الضغط النفسي يعمل على الهدف العضوي (عضو من الجسم أو حتى جزء من عضو).

ويكون ذلك بشكل مباشر وغير مباشر من خلال عمل جهاز الغدد الصم خاصة الغدة النخامية والغدة الكظرية.

وتفرز هاتين الغدتين بشكل رئيسي مجموعة من الهرمونات المرتبطة ببعضها البعض والتي تؤثر في عمل الجسم ككل، ويطلق عليها اسم "هرمونات الشدّة"، وأهم مثال معروف عنها هو هرمون "كورتيزول".

ولهذه الهرمونات دور هام في العديد من العمليات الالتهابية والمناعية ضمن إطار حالة الشدة التي يعاني منها الجسم، ويقصد بحالة الشدة أي حالة طارئة نفسية أو عضوية تعترض الاستقرار الطبيعي للجسم مثل (التهاب شديد أو عمل جراحي أو حادث أو توتر نفسي،… إلخ).

ووجدت دراسات متعددة أن عدم القدرة على الإنجاب عند كل من النساء والرجال غالباً ما تزيد من التوتر والاكتئاب والقلق، ويمكن أيضا أن يؤدي فقدان الحمل المتكرر إلى أعراض اضطراب ما بعد الصدمة "PTSD".

كما ان الاضطرابات المرتبطة بهرمون "برولاكتين" وبعمل الغدة الدرقية وعمل الهرمون الرئيسي المنظم لعملية الإباضة "الهرمون الملوتن" (1)، كلها تلعب أدواراً رئيسية في العلاقة ما بين العقم والاضطرابات النفسية.

من الأكثر عرضةً للاضطرابات النفسية المرتبطة بالعقم؟

أظهرت الأبحاث أن النساء المصابات بالعقم أكثر عرضةً للاضطرابات النفسية الناجمة عن الصدمة المرتبطة بحدوث العقم مقارنة بالذكور. (2)

ويمكن أن يؤدي العقم إلى تدني احترام الذات والشعور بالذنب والوحدة والعزلة الاجتماعية، كما ويعد الاكتئاب والقلق أكثر الاضطرابات النفسية شيوعاً لدى مرضى العقم.

فقد تبين في الأبحاث أن القلق يكون أعلى بشكل ملحوظ لدى الأزواج المصابين بالعقم مقارنة بعامة السكان، حيث أبلغ 8 - 28% من الأزواج المصابين بالعقم عن قلق سريري كبير. (3 - 4)

التأثير النفسي والاجتماعي السلبي للعقم

للعقم آثار اجتماعية سلبية كبيرة على حياة الأزواج، خاصةً النساء اللاتي قد يتعرضن في كثير من الأحيان للعنف والطلاق والوصمة الاجتماعية والضغط العاطفي وتدني احترام الذات.

وفي بعض البلدان يمكن للخوف من عدم القدرة على الإنجاب أن يردع النساء والرجال عن استخدام وسائل منع الحمل إذا ما شعروا بضغط اجتماعي بهدف إثبات خصوبتهم في سن مبكرة بسبب القيمة الاجتماعية العالية للإنجاب.

التأثير على النساء

قد يؤدي العقم إلى مشاكل احترام الذات والشعور بالذنب والحزن.

كما يمكن للتغيرات الهرمونية أن تشحن المشاعر بشكل كبير، مما يجعل من الصعب التعامل حتى مع العقبات والتحديات الصغيرة المرتبطة في الحياة اليومية.

التأثير على الرجال

يرى الذين تم تشخيص إصابتهم بالعقم من الذكور أن هذا التشخيص يمثل تهديداً لرجولتهم. بالإضافة إلى أنه يسبب لهم القلق من عدم تمكنهم من الاستمرار في الخط الوراثي العائلي.

التأثير على الزوجين

يبدأ الأزواج بالمعاناة في مراحل محاولة علاج العقم، وذلك عندما يصبح الجماع الجنسي شرط إلزامي يتم إجراؤه في الموعد المحدد بدلاً من كونه فعلاً غير مشروطٍ مرتبطاً بالحب فقط دون قيود أخرى.

كما يشعر الأفراد الذين عاشوا سابقاً حياة ناجحة وجيدة التخطيط أنهم فقدوا السيطرة على مصيرهم.

ويحصل لديهم مزيج من المشاعر المرتبطة بالفشل وبتأجيل الحياة والاضطرار إلى مواجهة خيبة الأمل من الفشل في الحمل شهراً بعد شهر.

الأمر الذي يمكن أن يترك كلا الشريكين في خطر متزايد للإصابة بالاكتئاب وغيره من الاضطرابات النفسية.

كل ذلك بالإضافة إلى كيفية تأثير عدم الإنجاب على تواصل الزوجين مع الأصدقاء وأفراد الأسرة الذين لديهم أطفال.

وعندما تؤخذ العواقب الاجتماعية والثقافية لعدم الإنجاب في الاعتبار فإنها غالباً ما تكون ملاحظة عند كبار السن الذين ليس لديهم أطفال.

حيث يتلقون دعماً اجتماعياً أقل وإطاراً أقل جوهرية للعيش المستقل مقارنةً بمن هم في نفس العمر ممن لديهم أطفال.

متى يصبح العقم خطراً على الصحة النفسية

لا شك أن عدم القدرة على الإنجاب يمثل أزمةً كبيرةً لمعظم الأزواج. ويعاني كلا الشريكين من مجموعة من الأفكار السلبية التي تخص دورهم ووجودهم في المجتمع، ومن ضمن هذه الأفكار السلبية:

  • فقدان تجربة الحمل والولادة
  • ضياع فرصة نقل الوراثة العائلية
  • ضياع فرصة المساهمة في الجيل القادم
  • ضياع فرصة أن يصبح الأزواج والدين أو أن يصبحا أجداداً
  • تدني تقدير الذات واحترام الذات
  • فقدان الاستقرار الأسري
  • فقدان الشعور بالسيطرة على المصير
  • فقدان الشعور بالأمل في المستقبل
  • فقدان إنتاجية العمل

ويزداد الوضع سوءاً بسبب حقيقة أن النساء خاصةً يواجهن في العديد من البلدان نقصاً في الدعم العاطفي والمالي.

لذلك يجب الانتباه إلى ظهور أعراض تستدعي الحاجة إلى الدعم النفسي بسبب خطر تطور اضطراب نفسي حقيقي تالي للإصابة وهي:

  • الاكتئاب المطول
  • القلق الشديد
  • صعوبة في العلاقات الشخصية
  • ضعف التركيز ومشاكل النوم
  • خواطر انتحارية
  • الغضب المستمر أو الشعور بالذنب أو التشاؤم

العلاجات المتبعة

في الآونة الأخيرة كان هناك تقدم هائل في تشخيص الإصابة بالعقم وعلاجها للزوجين، وقد أبدى ذلك نتائج رائعة في الميدان الطبي، ولكن وبالرغم من ذلك لا يستطيع بعض الأزواج الإنجاب على الرغم من حقيقة أنه لا توجد أسباب جسدية أو مناعية موضوعية صريحة.

وفي حال كانت الاضطرابات النفسية المرتبطة بهذه الحالة تؤثر على الزوجين ينصح في مثل هذه الحالات بالتالي:

  • استشارة طبيب نفسي أو معالج نفسي حول كيفية التعامل بشكل أفضل مع المشاعر والضغوط المتراكمة
  • يمكن الاستفادة أيضاً من دور العلاجات التثقيفية والتوعية لمعالجة فهم مدى انتشار ومحددات الخصوبة والعقم
  • وفي سياق العلاج السلوكي النفسي، يجب التأكيد على تقدير الذات كعامل وقائي يمكن أن يحمي بشكل فعال من الآثار السلبية على الصحة النفسية، حيث يخفف تقدير الذات بشكل كبير من التأثير السلبي للضغط المرتبط بالعقم على الاكتئاب أو القلق.

الملخص

لا يمكن إنكار جمالية حالة الأسرة وفكرة الأمومة والأبوة وتأثيراتهما الإيجابية المختلفة في حياة الإنسان، ولكن في الواقع يجب أن يدرك المعنيون أنه لكل حدث في هذه الحياة جوانب إيجابية وأخرى سلبية دون أن يكون هناك شيء مطلق ودائم.

لذلك يعتبر من المهم لتجاوز هذه الاضطرابات النفسية المرتبطة بحالة العقم، البقاء على صلة مع الشريك عاطفياً ومحاولة التحدث عن المشاعر والضغوط التي يشعران بها.

بالإضافة إلى ضرورة اتخاذ قرار مشترك بتجاوز الأزمة والحصول على الدعم من قبل الاستشاريين النفسيين المؤهلين للمساعدة.