بطانة الرحم المهاجرة: الأعراض والعلاج

المراجعة الطبية - OB/GYN
الكاتب - أخر تحديث 15 سبتمبر 2022

ما هي بطانة الرحم المهاجرة؟

بطانة الرحم المهاجرة "Endometriosis"، والتي تعرف أيضاً بمصطلح "الانتباذ الرحمي الهاجر"، وهي حالة نسائية شائعة يحدث فيها توضع لنسيج رحمي (من باطن الرحم) بمكانٍ آخر غير الرحم وعادةً ما يظهر في الحوض.

هذا النسيج المهاجر يبقى على استجابة كاملة كالنسيج الرحمي تماماً للهرمونات المفرَزة من المبيضين وغيرها. وبالتالي تتأثر مجموعة الخلايا هذه مع تغيُّرات الدورة الشهرية ومنها تأتي الأعراض المرتبطة بالمرض، بالإضافة لإمكانية الالتهاب وما يليه من أعراض ومضاعفات.

بحسب الإحصائيات فإن 10% من النساء حول العالم مصابات بداء "بطانة الرحم المهاجرة"، إلا أن الأرقام لا تزال غير دقيقة نتيجةً لصعوبة كشف هذه الحالة. (1)

حيث يتطلب كشف الحالة تنظير البطن (إدخال جهاز لداخل البطن) وأخذ خزعة كي تتم دراستها تحت المجهر.

ولكن هذا لا ينفي انتشاره الواسع حيث يقدر العلماء أن 12-32% من النساء الخاضعات لجراحة آلام الحوض، و50% من النساء اللائي خضعن لجراحة من أجل تحديد سبب العقم وجد لديهن داء "بطانة الرحم المهاجرة". (2)

مراحل بطانة الرحم المهاجرة

يقدم تصنيف مرض بطانة الرحم المهاجرة معلومات تساعد بتقدير شدة الحالة بالإضافة لدراسة الخيارات العلاجية ومدى تأثيرها.

ويتم اعتماد تصنيف الجمعية الأمريكية للطب التناسلي (ASRM) والذي يستند على عدد البؤر لبطانة الرحم المهاجرة الموجودة وحجمها ووجود التصاقات من عدم وجودها.

ويتم خلال التصنيف توزيع نقاط محددة وفقاً للنتائج المشاهدة فعلى سبيل المثال، إذا كان الحجم بطانة> 3 سم فإنه يُعطى 20 نقطة.

ويكون توزيع النقاط بحسب الجدول التالي:

النقاط الموزعةمرحلة بطانة الرحم المهاجرةالصفات السريرية
المرحلة الأولى
(1-5 نقاط)
المرحلة الأخفالقليل من البؤر السطحية من بطانة الرحم المهاجرة
المرحلة الثانية
(6-15 نقطة)
بين المرحلة الخفيفة والمتوسطةتكون البؤر أكثر عددًا وأكثر عمقًا
المرحلة الثالثة
(16-40 نقطة)
المرحلة المتوسطة- يزداد عدد البؤر حجماً وعُمقاً
- ظهور تكيسات صغيرة على أحد المبيضين أو كليهما
- وجود التصاقات
المرحلة الرابعة
(> 40 نقطة)
المرحلة الشديدة- عدد أكبر من البؤر العميقة
- تكون الكيسات على المبيض أكبر
- الالتصاقات أكثر عددًا وشدة
جدول مراحل بطانة الرحم المهاجرة

أعراض بطانة الرحم المهاجرة

يوجد تنوع واسع بالأعراض المسيطرة ومدى شدتها تبعاً لمكان وجود البطانة الرحمية المهاجرة وحجمها وعدة عوامل أخرى. ولكن يبقى الألم هو العرض المشترك تقريباً في معظم الحالات، ومن أهم الأعراض:

  • ألم حوضي شديد: تشير إليه المريضة بألم في أسفل البطن خلال تقلصات الدورة الشهرية 
  • عسر الجماع: حيث تشعر المريضة بألم خلال ممارسة الجماع
  • ازدياد كمية النزف الطمثي
  • ألم عند التبول: ويكون خلال تقلصات الدورة الشهرية
  • تصبح الحركات المعوية مؤلمة
  • قد تظهر أعراض هضمية إضافية كالإمساك أو الإسهال أو الغثيان

لا ترتبط شدة الألم الحاصلة للمريضة بشدة المرض، فمن الممكن ألّا تشعر المريضة بأي ألم أو إزعاج ويكون المرض متقدم. بينما تعاني أخريات من آلام مبرحة والانتباذ يكون خفيف الحجم والشدة.

أسباب بطانة الرحم المهاجرة

يعد داء بطانة الرحم المهاجرة من الأمراض التي يكتنفها الغموض منذ القدم، وإلى الآن رغم الأبحاث العديدة والدراسات الشاملة لم يكتشف العلماء سبباً مؤكداً يغطي كل وجهات النظر العلمية لظهور هذه الحالة.

ولكن المؤكَّد بهذه الدراسات أن للهرمون الأنثوي "أستروجين" دور في نمو وتوسع الآفات المهاجرة، وذلك لندرة الحالات المشاهدة قبل البلوغ أو بعد سن اليأس.

تم وضع عدة فرضيات من خلال دراسة هذه الحالة، ولكل منها نقاط قوة وضعف، ومن أهم النظريات:

١- نظرية الطمث الراجع

تعد من أكثر النظريات شيوعاً والتي تفسر ظهور الانتباذ الهاجر. وهي تقترح أن دم الطمث مع بعض خلايا بطانة الرحم لا تتمكن من الخروج من الرحم خلال فترة الحيض، فتعود لتدخل عبر قناتي "فالوب" وصولاً للحوض. وهناك قد تنغرز بعض الخلايا وتنمو لتكون نسيج بطاني رحمي مهاجر.

واعتمدت هذه النظرية على دراسة قردة "البابون" أو "الرُبَّاح"، إلا أن هذا الطمث الرجعي يحدث أيضاً عند 9 من كل 10 نساء، واللواتي لا يحدث عندهن كلهن الانتباذ الرحمي الهاجر. (3)

٢- نظرية التحول

تعتمد هذه النظرية على فكرة الأساس المشترك للخلايا، وتعتبر أن لخلايا الجسم كالمبيض والمستقيم والصفاق الرحمي أساس جنيني واحد، وبذلك ضمن ظروف معينة قد تتحول لخلايا رحمية.

يمكن لهذه النظرية أن تفسر الحالات النادرة التي تترافق مع ظهور النسيج الرحمي في الرئتين أو الحجاب الحاجز.

٣- النظرية المناعية

ربطت هذه النظرية ظهور الانتباذ البطاني الرحمي بالاضطرابات المناعية، وذلك نتيجةً لوجود الخلايا المناعية عند دراسة البؤر الرحمية تحت المجهر.

إلا أنه لم يثبت إلى الآن أي الاضطرابات المناعية التي تسبب ظهور الخلايا الرحمية الهاجرة. (4)

٤- النظرية الوراثية

ينتشر مرض بطانة الرحم المهاجرة ضمن عائلات معينة مما يدفع للشك بالأسباب الوراثية، وتزداد احتمالية الإصابة حوالي 7 مرات في حال كانت الأم أو الأخت مصابة بالمرض. (5)

ولكن إلى الآن لم يعرف العلماء الجين المتورط في ظهور المرض، ويعتقد البعض منهم أن الآلية متعددة الجينات.

٥- النظرية الجنينية

تقترح هذه النظرية أن بطانة الرحم المهاجرة تنشأ منذ الحياة الجنينية. ويعتقد العلماء أنه عند تشكل الرحم تهاجر بعض الخلايا الرحمية لتتوضع بأماكن أخرى وبحدوث أول دورة جنسية تبدأ بالنمو.

عوامل الخطورة

يوجد مجموعة من العوامل التي تزيد من فرص الإصابة ببطانة الرحم المهاجرة، وتضم:

  • وجود إصابة في العائلة (أم أو أخت):حيث يزيد ذلك من نسب تطوير بطانة الرحم المهاجرة، بالاعتماد على النظرية الوراثية.
  • بلوغ جنسي مبكر: أي اللواتي يبدأ عندهن الطمث قبل عمر ال11 عام.
  • الدورة الشهرية القصيرة: والتي تكون أقل من 27 يومًا.
  • فترات النزف الطمثي الطويلة: أي التي تتجاوز ال7 أيام.

المضاعفات

قد يتأخر اكتشاف وجود بطانة الرحم المهاجرة عند البعض إلى أن تصل لمرحلة المضاعفات فتكون هي أول ما يدل على المرض، وليست تلك المضاعفات بكثيرة العدد إلا أنها مؤثرة، وتضم:

أ- مشاكل في الحمل

قد تسبب بطانة الرحم المهاجرة بعض الصعوبات لحدوث الحمل أو العقم أحياناً، ولا يعرف السبب المباشر لذلك ولكن يعتقد أن تأثير هذه البطانة يكون بتأثيرها الضار على المبيض أو قناة "فالوب". كما لا تعاني كل النساء من مشكلات في الحمل مع جود الانتباذ الرحمي الهاجر.

إن علاج العقم الحاصل ليس بالسهل، ولكن قد تساعد بعض التقنيات مثل استئصال البؤر الرحمية الهاجرة، أو التلقيح الصناعي "IVF" وهو ما يعرف بـ "طفل الأنبوب".

ب- الالتصاقات

قد تتشكل التصاقات "بنية لزجة" تربط أماكن النسيج الرحمي المهاجر مع الأعضاء المجاورة.

ج- كيسات المبيض

تعرف أيضاً باسم "الكيّسات الإندومتريوزية" أو "الشوكولاتية"، وتحدث عند وجود بؤر بطانة الرحم الهاجرة في المبيض وتسببها في ظهور كيسات ضمنه والتي قد تصل لأحجام كبيرة وتسبب الآلام.

تشخيص بطانة الرحم المهاجرة

إن الأعراض المترافقة مع هذه الحالة تكون غير موجِّهة للمرض بشكل مباشر، لذلك يتطلب من الطبيب الفاحص الاستماع للقصة العائلية والسريرية وتطبيق مجموعة من الفحوص الإضافية لتأكيد التشخيص. وتضم هذه الفحوص:

١- الفحص السريري:

يكون الفحص في الحوض بشكلٍ رئيسي، ومن خلاله سيتمكن الطبيب من ملاحظة بعض التكيسات أو الندوب.

٢- الفحوص التصويرية:

يفيد التصوير بالأمواج فوق الصوتية عبر البطن، بكشف الكيسات المبيضية في حال وجودها، ويمكن أن يتم الفحص عبر المهبل والذي يكون أكثر دقة.

كما أصبح بالإمكان تشخيص هذه الحالة حالياً بالموجات الصوتية المهبلية ثلاثية الأبعاد، والتصوير بالرنين المغناطيسي (MRI) والذي يمكن أن يساعد بإضافة معلومات تشخيصية إضافية.

٣- الأدوية:

يتبِّع بعض الأطباء خطة تعتمد على الأدوية، وذلك عبر وصف الأدوية المُعالجة لبطانة الرحم المهاجرة، والانتظار لفترة محددة. فإذا تراجعت الأعراض وأصبح الألم أخف وطأة، ترتفع الاحتمالات نحو بطانة الرحم المهاجرة.

٤- تنظير البطن:

يعد الاختبار الموثق لتأكيد الإصابة ببطانة الرحم المهاجرة، ويتم من خلال إجراء شق صغير في البطن، وإدخال منظار يحوي آلة تصوير صغيرة، لتصوير الجوف البطني. كما إنه من خلال هذا الاختبار، من الممكن أخذ عينات من البؤر الموجودة، لدراستها تحت المجهر.

العلاج

إن علاج بطانة الرحم المهاجرة يعتمد على شدة الأعراض ومدى انتشار المرض، بالإضافة إلى أن الرغبة في الحمل تلعب دوراً مهماً. ويوجد عدة خيارات علاجية منها:

١- العلاج الدوائي

يوجد عدة أصناف دوائية يمكن أن تؤخذ معاً وهي كالتالي:

  • مسكنات الألم: تعطى للتخفيف من شدة الأعراض دون أي تأثير على البؤر الرحمية، كمضادات الالتهاب غير ستيروئيدية "NSAIDs"، وأيضاً دواء فيزان "Visaanne - dienogest"
  • الأدوية الهرمونية: تعمل هذه الأدوية على إبطاء نمو الأنسجة الرحمية المهاجرة ومنع وجود أنسجة أخرى ولكنها لا تتخلص من تلك الموجودة، مثل حبوب منع الحمل الحاوية على "بروجسترون" فقط (لمعاكسة أستروجين)، ومشابهات الهرمون المطلق لموجهة الغدد التناسلية "GNRH".

٢- العلاج الجراحي

يزيل الطبيب عبر الجراحة النسج الرحمية الهاجرة المسببة للمرض مما يخفف من شدة الألم ويحسِّن الإخصاب. ويعود الألم بنسبة كبيرة للخاضعات للعمل الجراحي (8 من كل 10 نساء)، والذي قد يكون نتيجة بقاء نسج أخرى غير مرئية، وتساعد في هذه الحالة الأدوية المذكورة.

كما أنه لا بد أن من استشارة الطبيب عند ظهور أي ألم حتى ولو كان خفيفاً تجنباً للإهمال والوصول للمراحل المتقدمة.