حالة الخرف: التشخيص والعلاج

الكاتب - 11 يناير 2023

تشتهر حالة الخرف بين الناس على أنها إحدى الاضطرابات العصبية التي تحدث بشكل طبيعي عند كبار السن نتيجة للشيخوخة وتقدم العمر، إلا أن هذا الاعتقاد خاطئ.

حيث أن الخرف في الحقيقة هو مشكلة وخلل عصبي يحدث نتيجة لوجود أمراض واضطرابات عصبية أخرى، وعلى الرغم من شيوعه عند كبار السن بشكل رئيسي إلا أنه يمكن أن يحدث في أي عمر.

فما هي هذه الحالة، وما سبب حدوثها وكيف يمكن التعامل معها؟

كيف تحدث الإصابة بالخرف؟

الخرف (Dementia) هو مصطلح واسع يستخدم للإشارة إلى حالات فقدان جزء أو كل الوظائف الادراكية والمعرفية للدماغ. وتشمل:

  • التفكير
  • الذاكرة
  • الربط المنطقي
  • بالإضافة لتأثيره على قدرة الشخص على الحركة وممارسة النشاطات اليومية، وفقدان التحكم بالعواطف وتبدلات في الشخصية

كما وينجم الخرف عادةً عن وجود أمراض أو اضطرابات عصبية تأثر على الدماغ والخلايا العصبية وتؤدي إلى تراجع وظائفها وتخربها، والخرف ليس نتيجة حتمية مرتبطة بالتقدم بالعمر أبداً.

ويعد مرض الزهايمر والجلطة الدماغية أمثلة عن اضطرابات تسبب حدوث الخرف.

يأخذ الخرف غالباً شكلاً متطور في الأعراض، أي أن الأعراض تبدأ خفيفة وغير مهمة في المراحل الباكرة للإصابة وبعدها تبدأ بالتفاقم والتطور مع الزمن لتصر لدرجات متقدمة من التراجع الوظيفي العصبي فكرياً وحركياً وسلوكياً.

ووفقاً لإحصائيات منظمة الصحة العالمية فإن حوالي 55 مليون شخص حول العالم يعانون من أحد أشكال الخرف، والغالبية العظمى منهم يتركزون في البلدان النامية وبلدان العالم الثالث. كما من المتوقع أن يرتفع الرقم حتى 75 مليون شخص مصاب بالخرف بحلول عام 2030.

عوامل الخطورة

يمكن لحالة الخرف أو للاضطرابات العصبية المسببة للخرف أن تصيب أي شخص في أي مرحلة عمرية ولكن هناك فئات معينة أكثر عرضة للإصابة بالخرف نتيجة لوجود عوامل خاصة عند هذه ترفع من نسبة خطر الإصابة.

وتشمل هذه العوامل:

  • العمر المتقدم: يعد التقدم بالعمر عامل الخطر الأساسي حيث تكون أغلب حالات الخرف هي عند كبار السن ممن تجاوزت أعمارهم 65 سنة.
  • العوامل الوراثية والسوابق العائلية: للعوامل الوراثية دورا في رفع نسبة حدوث الإصابة، حيث تنتقل هذه المورثات بين أفراد العائلة الواحدة وهذا يزيد من احتمال الإصابة بالخرف ضمن أفرادها.
  • أمراض القلب: تعتبر الأمراض القلبية والوعائية من العوامل التي ترفع خطر الإصابة تساهم بتطور مرض الخرف مستقبلاً، وبشكل خاص في الحالات التي يتم اهمال العلاج فيها.
  • إصابات الدماغ الرضية: قد تسبب إصابة الدماغ برضوض عنيفة مثلاً في حوادث السير وغيرها أذية واضطرابات في الخلايا العصبية والنسج في الدماغ، وهذا الأمر يساهم بحدوث أحد أشكال الخرف إما بشكل مبكر بعد الرض مباشرة أو في المراحل المتقدمة من العمر.
  • الاختلاف العرقي: وجد أن للأصل العرقي للأشخاص تأثير على نسبة الإصابة حيث وجد أن معدل الإصابة في العرق الافريقي تكون ضعف معدل إصابة أصحاب العرق الأبيض.

أنواع الإصابة بالخرف

يوجد العديد من الأمراض والاضطرابات العصبية المسببة لحدوث الخرف، لكن حالات الخرف هذه لا تتشابه فيما بينها من حيث الآلية والأعراض وتطور سير المرض.

ولهذا فقد وضع تصنيف لأسباب وأنواع الخرف بحسب المرض العصبي المسبب له وذلك لتمييزه عن غيره وأشهرها ما يلي:

١- مرض الزهايمر (Alzheimer’s disease)

الزهايمر هو مرض عصبي مجهول السبب يتطور مع الوقت، ويحدث فيه انقطاع للاتصال أو خلل في التواصل بين الخلايا العصبية الموجودة في الدماغ نتيجة انتاج وترسب مواد بروتينية بين الخلايا العصبية وتشكيلها لصفائح (Plaques) بين الخلايا والأنسجة العصبية.

وهذا يمنع التواصل والنقل العصبي بين الخلايا ويسبب تدهور وتراجع الوظائف العصبية.

يعتبر مرض الزهايمر السبب الأكثر شيوعاً للإصابة بالخرف وفقاً لإحصائيات منظمة الصحة العالمية، حيث أن حوالي 70-80 % من حالات الخرف عند كبار السن مرتبطة بهذا المرض.

كما يسبب مرض الزهايمر تراجع في الوظائف العقلية وخصوصاً على مستوى الذاكرة قصيرة الأمد في البداية.

ثم يتطور ليؤثر على القدرة على إيجاد الكلمات لتشكيل الجمل، وصعوبة في اتخاذ القرار ليصل لمراحل متقدمة في وقت لاحق.

٢- الخرف المرتبط بوجود أجسام لوي (Lewy body dementia)

يحدث هذا النوع من الخرف نتيجة لتشكل وتجمع لمكون بروتيني غير طبيعي في الخلايا العصبية الموجودة في الدماغ.

هذا المكون والتشكل البروتيني ضمن الخلايا العصبية يدعى بجسم لوي، والبروتين الأساسي المتدخل بتشكيله يدعى ألفا سينوكلين (alpha-synuclein).

يسبب تراكم أجسام لوي ضمن الخلايا العصبية تراجع وظيفة هذه الخلايا ويؤثر على عملها في نقل التنبيهات والتواصل مع الخلايا المجاورة.

وينجم عن هذا الأمر تطور لأعراض عصبية مرتبطة بحدوث الهلوسات السمعية والبصرية، تراجع القدرة العقلية، وتأثر الذاكرة عند المصاب.

٣- الخرف الجبهي الصدغي (Frontotemporal dementia)

ينجم هذا النمط من الخرف عن تخرب الأقسام الأمامية والجانبية للدماغ والخلايا العصبية.

حيث يقسم الدماغ في الحالة الطبيعية إلى عدة قطاعات أو ما يدعى بالفصوص (Lobes) هذه الفصوص هي:

  • الفص الجبهي
  • الفص الصدغي
  • الفص الجداري
  • الفص القفوي

ساعد هذا التقسيم والفصوص على سهولة دراسة الدماغ وفهم آلية عمله، حيث يتركز في كل فص بشكل عام مجموعة من الخلايا العصبية المرتبطة بتأدية وضبط وظائف عصبية معينة حسية أو حركية أو فكرية.

بالتالي فعند إصابة أي فص من هذه الفصوص بضرر نتيجة مرض أو رض مثلاً ستتأثر الوظيفة العصبية المرتبطة بهذا الفص.

بالإضافة إلى ذلك سوف تتأثر بقية الوظائف العصبية نظراً للتشابك والارتباط بين أقسام الدماغ المختلفة والتنسيق فيما بينها.

في حالة إصابة الفصين الجبهي والصدغي من الدماغ بخلل مرضي معين كتراكم مواد غير طبيعية أو حدوث نزوف وغيرها، يمكن أن يظهر الخرف كنتيجة لذلك ويدعى بالخرف الجبهي الصدغي.

ويتميز عن غيره من أنواع الخرف بتطور التغيرات السلوكية أولاً حيث يقوم المصاب بسلوكيات اجتماعية غير مقبولة لم يكن يقوم بها سابقاً، أو قد لا يستطيع تمييز المواقف الاجتماعية والقيام برد فعل طبيعي عليها وغيرها.

وبعد ذلك تبدأ الأعراض بالتطور كحدوث مشاكل اللغة والنطق والتفكير.

٤- مرض هنتيغتون (Huntington’s disease)

مرض هنتيغتون هو مرض وراثي نادر، تتخرب فيه الخلايا العصبية الموجودة في الدماغ.

ويسبب هذا الأمر آثاراً مختلفة على الوظائف العصبية ابتداءً من الحركة، للوعي والتفكير وقد يصل لإحداث تأثيرات نفسية سلوكية عند المصاب.

تبدأ أعراض مرض هنتيغتون بالظهور في أي عمر لكنها أكثر شيوعاً بين 30-40 عاماً، كما تبدأ بعدها الأعراض بالتطور، ويكون الخرف أحد مضاعفات تطور المرض.

٥- الخرف الوعائي (Vascular dementia)

يرتبط هذا النوع من الخرف بحدوث مشاكل على مستوى الأوعية الدموية المسؤولة عن تروية الدماغ.

حيث يحدث خلل أو انقطاع في التروية الدموية لأنسجة وخلايا الدماغ نتيجة وجود تضيق أو انسداد أو تخرب في الشرايين.

يؤدي نقص التروية إلى تخرب الخلايا العصبية وموتها نتيجة عدم حصولها على حاجتها من الأكسجين وهذا الأمر يؤدي في بعض الحالات إلى تطور الخرف.

خاصة في حالات الانسداد أو نقص التروية التي تشمل أجزاء واسعة من الدماغ.

كما تعد الجلطة الدماغية (Stroke) والنزف الدماغي الرضي الناجم عن تمزق الأوعية أِهم الأسباب المرتبطة بنقص التروية الدماغية وزيادة احتمال تطور الخرف لاحقاً.

٦- الخرف المختلط (Mixed dementia)

يقال عن الخرف بأنه مختلط عند تشارك عدة عوامل وأمراض عصبية مسببة للخرف مع بعضها. مثل تواجد مرض الزهايمر وحدوث الجلطة الدماغية في نفس الوقت عند نفس المريض وهكذا.

أعراض الإصابة بالخرف

يكون طيف الأعراض المرتبط بالخرف واسعاً وكبيراً وذلك لتعدد الأسباب والآليات المحدثة له، بالإضافة لتفاوت تطور وظهور الأعراض حسب كل حالة.

ولكن بشكل عام تشتمل العلامات الرئيسية للخرف ما يلي:

  • مشاكل على مستوى الذاكرة قصيرة الأمد
    • كنسيان أين وضعت الأشياء أو نسيان الأحاديث المحكية منذ فترة قصيرة
    • أعادة الأسئلة وتكرارها على الرغم من الإجابة عنها لعدة مرات
    • نسيان الأشخاص الجدد
  • مشاكل على مستوى التواصل والكلام، كفقدان الكلمات والقدرة على التعبير، وأخذ فترة زمنية لتذكر الكلمات لبناء حملة مفيدة
  • كما يمكن ان يواجه مشاكل في التوجه الزماني والمكاني، حيث يمكن للمصاب أن يضيع وأن ينسى عنوان سكنه وأين يقطن أو لا يدرك الوقت الذي هو فيه.
  • معاناة على مستوى الوظائف اليومية المعتادة، كتحضير الوجبات ودفع الفواتير وغيرها.
  • تغيرات في الشخصية
    • يمكن أن يحدث اكتئاب وقلق
    • تبدلات المزاج والتصرفات الانفعالية غير المناسبة مع الموقف المحيط

التشخيص

يقوم تشخيص الخرف على اجراء مجموعة من الفحوص والاختبارات التي تشخص الحالة من جهة وتساهم في تحديد العامل والاضطراب المرضي المسبب، وتتضمن إجراءات تشخيص الخرف ما يلي:

١- أخذ القصة المرضية

يسأل الطبيب المريض أو مرافقيه عن طبيعة الأعراض وتسلسل ظهورها وتطورها، وهل هناك علامات معينة مميزة على صعيد التفكير والذاكرة وغيرها.

إضافة لذلك يتم تحري وجود أمراض سابقة عصبية أو غير عصبية أو وجود لسوابق إصابة بالخرف في العائلة، كلها أسئلة تساعد في التوجه نحو الخرف والعامل المسبب له.

٢- اجراء فحص سريري

يتم فيه فحص العلامات الحيوية للمريض مثل ضغط الدم وعدد ضربات القلب.

وأيضاً يتم إجراء فحص عصبي للمريض من خلال فحص الحركات والمنعكسات العصبية والتوازن.

إضافة إلى ذلك يتم التحقق من وعي المريض وادراكه لمحيطه وللزمان والمكان من خلال مجموعة أسئلة يطرحها الطبيب على المريض.

٣- اجراء بعض اختبارات الدم

تؤخذ عينات من الدم ويتم اجراء اختبارات عليها لأخذ فكرة واضحة عن حالة الجسم العامة وعمل أعضائه المختلفة ورصد وجود أي تبدل مرضي أو علامة لمرض معين.

حيث يتم تحري ما يلي:

٤- اختبارات للوعي والادراك

هناك مجموعة خاصة من الاختبارات التي يتم اجراؤها من قبل المختصين تتضمن اختبار للوعي والقدرات الفكرية والحركية للمريض، حيث يتم تقييم:

  • الذاكرة
  • القدرة على حل المشاكل والمعضلات
  • القدرات اللغوية، القدرات الرياضية
  • إضافة للتوازن والتنسيق العضلي في بعض الحركات المعقدة

كل هذه الاختبارات والتقييمات تعطي فكرة واضحة عن وجود حالة الخرف ومدى شدته وتأثر المريض به.

٥- بعض الاختبارات الشعاعية

تفيد أجهزة التصوير الشعاعية كالطبقي المحوري والرنين المغناطيسي بتقييم الحالة العامة للدماغ والأنسجة العصبية بشكل جيد ودقيق.

حيث تسمح هذه الأجهزة برؤية واضحة لنسيج الدماغ وتحري وجود اضطرابات أو مشاكل على مستوى الخلايا العصبية.

كترسب مواد في الانسجة العصبية، تراجع وتخرب الخلايا العصبية، وتحديد وجود النزف ونقص التروية الدماغية وبالطبع تشخيص وجود الجلطات الدماغية.

الخيارات العلاجية للخرف

لا يوجد علاج شاف تماماً لحالات تخرب النسيج العصبي والخلايا العصبية، ولذلك تعتمد الخيارات العلاجية المتواجدة على محاولة السيطرة على الأعراض وابطاء تطورها قدر الإمكان.

وتضم الخيارات العلاجية للخرف ما يلي:

١- العلاج الدوائي

يتم استخدام مجموعات دوائية مختلفة للسيطرة على أعراض الخرف والأمراض المسببة له.

وتتضمن هذه الأدوية بشكل عام الأدوية التي تؤثر على المواد الكيميائية التي تدعى بالنواقل العصبية والتي تقوم بمهمة الربط ونقل الرسائل بين الخلايا العصبية.

كما تحسن هذه الأدوية من تركيز وعمل هذه النواقل وهذا ينعكس ايجاباً على عمل الخلايا العصبية ويؤخر تطور أعراض الخرف.

٢- العلاج التحفيزي الذهني (Cognitive Stimulating therapy)

يتضمن هذا النمط من العلاج مجموعة من التمارين والتدريبات المنتظمة مهمتها تحسين الوظائف الذهنية، كتحسين الذاكرة، والقدرة على حل المشاكل، والمحافظة على القدرة اللغوية.

٣- إعادة التأهيل المعرفي (Cognitive Rehabilition)

يتم هذا العلاج عن طريق مختصين وهو عبارة عن تمارين تساعد على تحسين عمل الدماغ والأداء الوظيفي والفكري عند المصاب.

وذلك من خلال تقوية الوظائف والمهام السليمة في الدماغ وغير المتأثرة بالخرف لتساهم في مساعدة وتحسين الوظائف المتراجعة والمتأثرة بالمرض.

٤- محاولة تعديل وتبسيط نمط الحياة

يرتكز هذا العلاج على مساعدة المصاب بالخرف من خلال تبسيط المهام المعقدة والتي كان يقوم بها سابقاً بشكل روتيني ويواجه الآن صعوبة في تنفيذها.

يتم تبسيط هذه المهام من خلال تقسيمها لخطوات مرتبة مكتوبة مثلاً لينفذها المريض بالتدريج وهذا يمكنه من تجاوز الصعوبة ويحسن من الناحية النفسية بتخفيف شعوره بالعجز.