فقدان السمع الحسي العصبي: الأسباب والعلاج

الكاتب - 13 ديسمبر 2022

ما هو فقدان السمع الحسي العصبي؟

فقدان السمع الحسي العصبي، هو حالة طبية شائعة تتمثل بحدوث أذية على مستوى الأذن الداخلية تؤدي لصعوبة في السمع وحتى فقدانه.

وهو أحد أنماط فقدان السمع الذي يضم فقدان السمع التوصيلي، ونمطاً ثالثاً يجمع النمطين المذكورين. 

يمكن أن يحدث فقدان السمع الحسي العصبي، بشكل مفاجئ أو قد يظهر بعد تدهور الحالة خلال عدة سنوات، وقد يكون في أذن واحدة أو يظهر في الاثنين معاً.

يحدث عادةً نتيجة التقدم في السن، حيث قدرت دراسة احصائية حول انتشار فقدان السمع الحسي العصبي المفاجئ بالنسبة للمرضى الذين تقل أعمارهم عن 18 عاماً حيث هناك 11 حالة لكل 100000 شخص، وتزداد النسبة إلى 77 لكل 100000 للمرضى الذين يبلغون 65 عاماً فما فوق، بالإضافة لوجود إصابات بين الذكور بشكل أكبر من الإناث. (1)

آلية السمع

لابدّ من تقديم شرح بسيط عن آلية السمع، لفهم سبب وجود تصنيف لفقدان السمع، وعلاقة العوامل المُسببة بهذا النمط.

تمر عملية السمع بعدة نقاط مهمة:

  • أولًا تجميع الأمواج الصوتية
  • ومن ثم تحويل هذه الأمواج إلى اهتزازات ميكانيكية
  • وأخيراً تحويل هذه الاهتزازات لتنبيه عصبي ونقله

بالمثل، يمكن تقسيم الأذن نفسها إلى ثلاث مناطق تشريحية مسؤولة عن هذه العملية بالكامل على الشكل التالي:

١- الأذن الخارجية

مسؤولة عن توجيه الأمواج الصوتية عبر مسار السمع الظاهر، إلى غشاء الطبل، الذي يهتز مع قدوم هذه الأمواج، ويحولها لاهتزازات ميكانيكية.

٢- الأذن الوسطى

ينقل غشاء الطبل هذه الاهتزازات إلى ثلاث عظيمات متصلة مع بعضها في الأذن الوسطى (المِطرقة والسَّندان والركاب)، والتي تنقل الاهتزازات إلى النافذة البيضاوية.

٣- الأذن الداخلية

تعتبر النافذة البيضاوية غشاء يفصل بين الأذن الوسطى والداخلية، وتسكن الأخيرة ضمن مسكنٍ عظمي يحيط به سائل اللمف المحيطي، والذي ينقل الاهتزازات الواردة بدوره للقوقعة (العضو المسؤول عن السمع في الأذن الداخلية).

كما يوجد في القوقعة خلايا مشعِرة حسية، تقوم بتحويل الاهتزازات الميكانيكية القادمة إلى تنبيهات عصبية تنقل عبر العصب السمعي، إلى الدماغ الذي يفسرها على شكل الأصوات المسموعة.

وسمي فقدان السمع الحسي العصبي بهذا الاسم، لأن الأذية إما أن تكون في الخلايا الحسية الشعروية، أو في المسارات العصبية الناقلة، أو في الاثنين معاً.

مقطع تشريحي لأجزاء الأذن
مقطع تشريحي لأجزاء الأذن

أسباب فقدان السمع الحسي العصبي

إن أسباب ظهور فقدان السمع الحسي العصبي متعددة وتشترك جميعها بالأذية التي تسببها على مستوى الأذن الداخلية. ومن أهم هذه الأسباب ما يلي:

١-الأسباب المُكتسبة لفقدان السمع الحسي العصبي

يقصد بالمكتسبة، أي التي يكتسبها الشخص خلال حياته، عقب الولادة. وتضم الأسباب:

آ- التقدم في العمر

يطلق على هذه الحالة باسم فقدان السمع الشيخي، ويشخص غالباً بمراحله المتأخرة، وذلك لكونه يحدث بشكل تدريجي ويصيب كلا الجهتين، وبالتالي فإن المريض لن يشعر بنقص السمع الحاصل.

كما أنه عالمياً تم ملاحظة وجود زيادة في أرقام المصابين بفقدان السمع الشيخي، والذي بات يؤثر على نصف الأشخاص الذين بعمر 75 عاماً وتقريباً جميع البالغين فوق سن 90. (2)

وبحسب منظمة الصحة العالمية WHO فإن عدد المصابين سيصل لحوالي 500 مليون حالة عالمياً، بحلول 2050.

ب- التعرُّض للضجيج

يؤدي التعرُّض للضجيج إلى تضرر الخلايا الحسية في القوقعة، وبشكل خاص التعرُّض المستمر للأصوات فوق الـ 85 ديسبل، والذي يمكن أن يحدث نتيجةً لظروف عمل معينة.

يوجد حد معين من ساعات التعرض اليومي للضجيج أو الصوت العالي مثلاً يجب أن يكون الحد الأقصى المسموح به من التعرض اليومي لشدة 85 ديسيبل، هو 8 ساعات. (3)

أما شدة  115 ديسيبل فتعتبر 7 دقائق كافية لإحداث الضرر في الخلايا، كما قد تسبب الأصوات الانفجارية التي تتجاوز 150 ديسبل فقداناً للسمع خلال ثانية أو أجزاء من الثانية. 

ح- رضوض الرأس

تعد سبباً نادراً لفقدان السمع الحسي العصبي، ويحدث نتيجًة لبعض الرضوض، كسور تطال العظم الصدغي والذي يحوي الأذن الداخلية مما قد يؤدي لتأذي القوقعة أو حدوث ناسور يتسرب منه اللمف المحيطي الذي يساعد على السمع. (4)

ج- العدوى الفيروسية

تسبب بعض أنواع الفيروسات ضرراً مباشراً للأذن الداخلية، وقد تحدث الأذية نتيجة الحالة الالتهابية، مما يؤدي إلى فقدان السمع. (5)

ومن هذه الفيروسات:

د- أمراض المناعة الذاتية

بحسب دراسة عام 2018 ففي حالات نادرة يمكن أن تسبب أمراض المناعة الذاتية كالذئبة الجهازية فقداناً حسياً عصبياً للسمع.

ر- ورم العصب السمعي

قد يحدث بشكل منفرد أو كجزء من متلازمة الورم العصبي الليفي من النوع الثاني. ويضاف لنقص أو فقدان السمع حدوث طنين في الأذن ومشاكل في التوازن.

و- الأدوية

يوجد بعض الأدوية التي قد تحمل تأثيراً سلبياً على الأذن الداخلية، مما قد يسبب فقداناً للسمع. (6)

ومن هذه الأدوية الأكثر شيوعاً في الاستخدام السريري هي:

  • الصادات الحيوية كالأمينوغليكوزيدات الماكروليدات
  • العلاج الكيميائي كالسيسبلاتين
  • مدرات البول مثل الفوروسيميد (لازيكس)
  • أدوية علاج الملاريا، مثل الكينين
  • مضادات الالتهاب غير الستيرويدية، مثل الأسبرين
  • الأسيتامينوفين

٢- الأسباب الخِلقية لفقدان السمع الحسي العصبي

إن الأسباب الخِلقية، هي التي تؤدي لفقدان أو نقص السمع خلال فترة الحمل أو الولادة، حيث أن الطفل يخلق بحالة فقدان سمع حسي عصبي.

وتبلغ نسبة حدوث فقدان السمع الحسي العصبي عند الأطفال حوالي 1: 2000 عند الولادة. وتضم أهم الأسباب:

آ- الوراثة

قد تؤدي بعض الطفرات التي تحدث خلال تكون الجنين، إلى بعض المتلازمات التي تشمل فقداناً للسمع، مثل متلازمة واردينبيرغ.

ب- العدوى خلال الحمل

تسبب العدوى الفيروسية، ما يصل إلى 40% من جميع حالات فقدان السمع الخِلقية. وتشترك بعض الفيروسات مع تلك المُسببة لفقدان السمع المكتسب، بالإضافة لما يلي:

  • الفيروس المُضخم للخلايا (CMV): إن احتمال حدوث فقدان السمع، يتراوح بين 6-23% إذا كانت بدون أعراض، و 22-65% إذا كانت عرضية
  • الحصبة الألمانية: يصل معدل حدوث فقدان السمع، عند الإصابة لـ12–19%
ح- عوامل أخرى
  • عوامل تتعلق بظروف الولادة: مثل الخداج ونقص الأكسجة حول الولادة بالإضافة لنقص الوزن عند الولادة.
  • عوامل خاصة بالأم خلال الحمل: مثل تعاطي المخدرات قبل وخلال الحمل.

علامات تدل على فقدان السمع الحسي العصبي

يخسر مريض فقدان السمع الحسي العصبي سمعه بشكل تدريجي عادةً، لذلك فإن من الصعب أن يلاحظ وجود أي مشاكل في السمع، بالإضافة إلى أن الضرر يصيب الأذنين عادةً مما يصعِّب الأمر.

إلا أنه يوجد عدة علامات قد تدل على وجود مشكلة في السمع، ولا بدّ أن يلاحظها من يرافق المريض. وهي كالتالي:

  • صعوبة في سماع الكلام الصادر من الإناث والأطفال
  • يصبح سماع الأشخاص أصعب عند وجود ضوضاء خفيفة، مثل التي تحدث في التجمعات العائلية أو المطاعم
  • رفع درجات الصوت كثيراً، في التلفاز أو الراديو أو الهاتف النقال، ليستطيع السمع بشكل جيد
  • وجود صعوبة في سماع الأصوات الحادة وعالية النبرة، مثل تغريد الطيور ودقات الساعة

التشخيص

يهدف الطبيب عبر اختبارات التشخيص إلى تأكيد وجود نقص سمع وتحديد نمطه والأهم تحديد العامل المسبب، وتفيد القصة المرضية كثيراً في التوجه المناسب، كما إن للتاريخ الطبي والدوائي أهمية خاصة.

أما الاختبارات التي يلجأ إليها الطبيب، في هي كالتالي:

١- اختبارات الشوكة الرنّانة

هي أداة على شكل حرف (U) مع قاعدة، تعطي عند ضربها اهتزازات معينة، و تفيّد بشكل جيّد للتفريق بين سرعة نقل هذه الاهتزازات عبر الطريقين الهوائي والعظمي، اللذان يقيمان الطريق التوصيلي والحسي العصبي على الترتيب. وتضم:

أ- اختبار رينيه

يقرع الطبيب الرنانة ويضعها خلف الأذن على العظم الصدغي (الناتئ الخشائي)، ويطلب من المريض أن يعلِمه عند توقف الصوت، لينتقل ويضع الرنانة أمام مسار السمع مباشرة.

في حالة فقدان السمع الحسي العصبي، يكون سماع الصوت في الطريق الهوائي أفضل بكثير (وهو الطبيعي)، ومن الممكن أن يكون الطريق العظمي غير مسموع.

ب- اختبار ويبر

يقرع الطبيب الرنانة ويضعها على الخط المتوسط لجبهة المريض، ويقارن هذا الاختبار الفرق بين الأذنين.

في حالة فقدان السمع الحسي العصبي، ينحرف الصوت للأذن السليمة، وإذا كانت الإصابة ثنائية، ينحرف الصوت للأذن الأفضل حسياً عصبياً.

٢- تخطيط السمع بالنغمة الصافية

يستطيع هذا الاختبار أن يعطي معلومات مهمة، لتحديد نمط فقدان السمع الموجود، كما إنه يفيد في تحديد عتبة السمع عند المريض. 

٣- اختبار سماع الكلام

يقوم الطبيب باستخدام مقطع مؤلف من كلمتين، بدلًا من النغمات لتقييم سماع المريض.

٤- فحوص أخرى

يوجد فحوص أخرى قد يلجأ لها الطبيب:

  • تخطيط جذع الدماغ (ABR)
  • البث الصوتي للأذن (OAE)
  • المعاوقة السمعية

علاج فقدان السمع الحسي العصبي

غالبًا ما تكون حالة فقدان السمع الحسي العصبي دائمة، لذلك فإن الأدوية والتدخلات العلاجية قل ما تفيد. إلا أن هناك خيارات جيّدة لتدبير الحالة بحسب شدتها.

حيث يتم الاعتماد غالباً على المعينات السمعية وعملية زرع الحلزون، والتي تعمل على تضخيم الصوت القادم الواصل للأذن الداخلية، مما قد يساعد في تحسين السمع.

بالتالي هي لا تعالج الحالة وإنما تحاول تحسين القدرة على السمع.

  • المعينات السمعية: هي عبارة عن أدوات، تثبَّت خلف الأذن عادةً أو يمكن أن توضع داخل الأذن.
  • زرع الحلزون: تعتبر خياراً جيّداً، للمرضى الذين لم يستفيدوا من المعينات السمعية، حيث إنها تقوم بتضخيم أكبر للصوت.

الوقاية

يوجد بعض حالات فقدان السمع الحسي العصبي التي لا يمكن الوقاية منها، مثل المتلازمات الخِلقية أو فقدان السمع الشيخي.

إلا أنه وبالمقابل يوجد عدة خطوات قد تساعد في تقليل احتمال حدوث فقدان السمع، وحماية الأذن قدر الإمكان. وهي كالتالي:

  • الانتباه لدرجة صوت التلفاز أو الراديو أو الهاتف النقّال، بحيث لا يصبح مصدر للضجيج والصوت العالي المؤذي لحاسة السمع
  • قد تفيد سدادات الأذن كالقطن مثلًا، للذين يعملون في ظروف عمل تتطلب التعرض للضجيج بشكل دائم مثل، العمل في الحفلات أو في مواقع البناء
  • عند حضور حفلات صاخبة أو سباق سيارات أو أي مكان يوجد فيه احتمالية للضجيج يفيد وضع سدادات في الأذن أو استعمال السماعات العازلة للصوت وأيضاً أخذ فترة بعيداً عن الضجيج لإراحة السمع
  • زيارة طبيب الأذن والأنف والحنجرة، بشكلٍ دوري وخاصةً عند التقدم في العمر

لابد من التأكيد على أهمية الانتباه لصحة وسلامة الأذنين لدينا، والالتزام بخطوات السلامة الموضوعة من قِبل الطبيب أو أي وكالة طبية معتمدة.